أنوار جامعية نيوز / بقلم الكاتبة الجزائرية سراي نور فرح
كانت خطى رنيم ثقيلة وهي في طريقها إلى المنزل تحدث نفسها في صمت
– لم يكن يومي موفق..يا لحظي السيئ كيف لي أن اكتب عن مواجع قلبي ..كيف لي أن أتحدث عن صديقة فقدت فجأة ودون سابق إنذار كل وسائل التواصل معها .. وكيف اكتب عن صديقة أخرى وأنا فقدت شهية المصادقة منذ رحيل صفاء أو كما يحلو لي مناداتها صفصف ؟..آآآآه لما كان هناك يوم للصداقة وهناك من لصديقه مشتاق ولا يعرف كيف يصل إليه ؟
ولما هي على هذا الحال يجول في فكرها ماذا تكتب في يوم الصداقة ومن تراسل إذ بها ترصد حركة غير عادية في بيت صديقتها الغائبة منذ سنين فركضت مسرعة إلى البيت وهي تنادي
: -أمي … أمي أسرعي اتصلي بالشرطة هناك لصوص في بيت صفصف ..أسرعي قد يسرقون أي شيء ..ربما حتى أشيائي التي توطد العلاقة بيني وبينها.. ضحكت الأم لبراءة ابنتها وحرصها على أن تعيش كل ذكرياتها مع صديقتها وقالت لها بهدوء
: -اهدئي حبيبتي لا شيء من هذا قد يحدث ..ثم صمتت قليلا وبعدها سألت ابنتها :
-أحزري ماذا..؟
ردت رنيم بلهفة :
-ماذا..؟ لا تقول لي ما ارجوه..وأتمناه..و أريده سيحصل..
ردت الأم وهي تأخذ المحفظة من يد ابنتها
: -اجل ما ترجينه..وتتمنينه..وتريدينه سيحصل ضمت رنيم أمها بحرارة شاكرة إياها على هذا الخبر السار ..وتنهدت في سرها قائلة
: -الآن يمكنني كتابة تعبير عن الصداقة أوظف فيه كل مشاعري لصفصف ليس في الماضي فقط بل حتى في الحاضر.. ذهبت رنيم مسرعة إلى غرفتها ترقص طربا وقد أخذها خيالها الواسع ابعد ما قد تتصوره وراحت تتذكر آخر يوم رأت فيها صفصف ..حين جاءت لتودعها لان أهلها قرروا قضاء عطلة الصيف خارج البلاد.. لم أكن اعلم أنها آخر مرة أراك فيها..وحتى لا اعرف سبب بقائك في الخارج وأنا هنا أتحرق شوقا لرؤيتك . رمت رنيم بنفسها على السرير بقوة وفتحت ذراعيها محاولة عبثا احتضان الهواء الذي تتخيله صفصف وتقلبت يمينا وشمالا سارحة في الغد المملوء بالمسرات ..لكنها فكرت بشيء أجمل لما لا تذهب إلى أمها في المطبخ لتتحدث معها .. نفذت رنيم الخطة بسرعة وراحت مسرعة إليها ترجوها أن تتحملها فقد تكثر من حديثها من صفصف حتى الغد..قالت بطلاقة:
-الحمد لله أن الغد عطلة ..كنت سأستاء كثيرا إن لم استقبلها بنفسي أمام الباب..ثم تساءلت :
-أمي في رأيك كيف سيكون لقائي بها ..هل ستتذكرني حالما تراني ؟ وما كادت الأم تجيب عليها حتى قاطعتها :
-لا باس لا تقول لي شيئا سأدع كل شيء للقدر يفصل فيه كما يشاء..ثم تنهدت بقوة قائلة :
-آآآآه كم أتحرق شوقا لرؤيتك يا صفصف.. ابتسمت الأم وهي ترى السعادة بادية على وجه ابنتها ..وتركتها تسال وتجيب نقسها حتى تعبت فأخذتها إلى السرير .
أتى الصباح باشراقة جديدة .. استيقظت فيها رنيم متأخرة بعض الشيء ..فقد أرهقت نفسها ليلا ..بمشاعر خوف ممزوج بالغموض حول إن كانت صفصف قد نستها وتعلقت بالخارج الذي مكثت فيه سبع سنوات وهي مدة ليست بالهينة قد تمحو فيها كل البواقي التي بينهما ..في نظر رنيم لصفصف الحق في تكوين صداقات جديدة في عالم متفتح حتى ولو من اجل التعايش مع المتغيرات التي ما كانت في الحسبان ..
رنيم لم تنم الليل لان الخوف من تجاهلها قد يرهقها ويتعبها بزيادة ..استيقظت بفكر مشوش وراحت ترمق العالم بنظرات مهزوزة تجزم أنها لا تستطيع أن تعرف أين يأخذها إدراكها للواقع..راحت تنظر تبحث عن شيء تتفاءل به .. فرأت ذاك المنزل الذي اشتاقت لتفاصيله ..فهناك ركضت كثيرا معها..وأكلت فيه ونامت بين جدرانه ..أمعنت رنيم النظر كثيرا وكانت أول نظرة مجهولة المشاعر..لمحت فيها سيارة تتوقف ..انه والدها قالت رنيم..وهاهي والدتها ..أين صفصف..؟ أكملت تنظر بحرص لترى الوالد يقوم بتهيئة كرسي متحرك والأم تفتح باب السيارة لترفع صفصف وتضعها عليه …هنا لم تصدق رنيم ما رأت ..
وفي تلك اللحظة فقط عرفت سر غيابها سبع سنوات ..فجأة شعرت بالكثير من القنوط لحال صديقتها ..وبألم ووجع كبيرين ..وبسخط على هذه الحياة..وراحت تردد :
-هذه ليست صفصف التي ودعتها ..صحيح مرت سبع سنوات تكون فيها تغيرت في الشكل كثيرا لكن ليس إلى هذه الدرجة..ثم لما تضع وشاح على رأسها..ولما لا تمشي أو تركض لوحدها..؟ ضغطت رنيم بكلتا يديها على رأسها وراحت تترنح ذات الشمال وذات اليمين ..تحسبه كابوس حالما تفتح عينها تنساه..لكن لا ..لم يتغير شيء..نفس المشهد ..وما زاد من تأكيده رؤية والدتها تركض لاستقبالهم ..لم تستوعب رنيم ما حدث ..استلقت على سريرها وانكمشت محاولة رفض واقع فرض عليها غصبا . انتظرت الأم كثيرا ابنتها لتخرج ..لكن طال الانتظار ..ذهبت إليها فوجدتها معزولة في السرير سألتها :
-صديقتك وصلت ألا ترحبين بها..؟ ردت رنيم والحزن مرسوم على ملامح وجهها السعيد بعودتها الحزين لحالها :
-اعلم أمي ..رأيتها وأشفقت لحالها..أتوق شوقا لضمها و أخاف ردة فعلها.. ضمت الأم ابنتها قائلة
: -ما يخيف ابنتي في لقاء صديقة عمرها ..؟ ردت رنيم
: -أخاف أن تغلب شفقتي لحالها شوقي إليها فتتأزم.. ابتسمت الأم وقالت
: -حرصك على مشاعر صديقتك سيظهر فيك فقط الحب والشوق الكبيرين لرؤيتها..وأول ابتسامة ترسلها لكي ستبدد كل مشاعر الشفقة نحوها..وسيفتح أبواب الأمل …سألتها رنيم
: -هل سألتك عني..؟ ردت الأم
: -لم تفعل شيئا غير السؤال عنك ..وأظن أن كليكما كانا يتحرق شوقا للقاء..ولا تخافي فهي تعافت والحمد لله لهذا عادت ..سألت رنيم مرة أخرى
: -مما كانت تعاني ..صارحيني أمي ..؟ طأطأت الأم رأسها ثم رفعته ووضعت يدها على كتف ابنتها وقالت
: -أصيبت بمرض السرطان عفنا الله والجميع ..لا يهم المرض حبيبتي المهم أنها تعافت والحمد لله .. ردت رنيم
: -يييياه ..هذا المرض استدعى كل هذه السنين لتتعافى ..يا له من مرض لعين ..عذب صديقتي .. ردت الأم
: – ليست صفصف فقط من عانت هناك أطفال كثيرون يعانون في صمت ادعي لهم بالشفاء ..وضعت رنيم رأسها على صدر أمها وقالت
: – يا رب اشفي كل طفل لا حول ولا قوة له إلا أنت ..من هذا المرض و أتم عافيتك علينا ..ردت الأم بعدها
: -آمين ..هيا الآن اذهبي لتستقبلي صديقتك ..
ارتدت رنيم ملابسها وحملت باقة الورود كانت قد طلبت من والدها أن يشتريها لها وذهبت لزيارة صديقتها ..دقت الباب ففتحت أم صفصف ضمت رنيم وقبلتها وقالت لها : -تفضلي ..صفصف في الشرفة تنتظرك..
بخطى مليئة بالدعوات الصادقة حامدة الله لشفاء صديقتها تقدمت رنيم لتراها بعد سبع سنوات..عانت فيها هي حرقة الغياب وعانت فيها صفصف حرقة الألم ..وكان ذلك أجمل لقاء بينهما ..
بقلم : سراي نور فرح فيفري 2020