إسلام التّنوير لا إسلام التّكفير… مالك شبل نَموذجًا

الأستاذ سليم مصطفى بودبوس

أنوار جامعية نيوز / أ. سليم مصطفى بودبوس

لاشكّ في أنّ الإسلام واحد، ولكنّ فَهْمَ كُـنْهِه وقراءة نصوصه الكبرى (القرآن الكريم، والسنة النبويّة المطهّرة) وتأويلها قد يختلف من عصر إلى عصر، ومن مفسّر إلى آخر، ومن مجتهد إلى غيره؛ بل ومن دولة إلى أخرى كما هو الحال على أيامنا هذه. ولئن دلّ ذلك في بعض العصور على ديناميكيّة في فهم النصّ القرآني، فإنّه عبّر في أوقات أخرى عن توظيف إيديولوجيّ وسياسيّ خطير للإسلام، جعل صورته تهتزّ كما هو الحال في الغرب، ولاسيّما بعد تعاظم حضور التيّارات التكفيريّة مشرقاً ومغرباً.

في هذا السياق المتردّي، وفي جوّ من الإسلاموفوبيا السائدة في الدول الغربيّة، لاتزال أصوات بعض المفكرين المسلمين المقيمين في الغرب، ولاسيما من الجزائر، تصدح برؤية تنويريّة للإسلام، على غرار الباحث الأنثروبولوجي الجزائري ” مالك شبل”  الذي توفي منذ أربع سنوات، لكنّ صوته وفكره وقراءته للإسلام ستتواصل؛ صوت إسلام التنوير لا إسلام التكفير.

مالك شبل مفكّر جزائري ولد سنة 1953 وتخرج من جامعة الجزائر  بدبلوم في الفلسفة والأنثروبولوجيا أي دراسة الأديان ومن ثم هاجر إلى فرنسا  لإكمال دراسته في جامعة السوربون ودرس فيها ليحصل على درجة دكتوراه في الانثروبولوجيا والعلوم السياسية وعلم النفس بعد ذلك وعمل محاضرًا في السوربون ثم أصبح عضوًا في مجلسها العلمي إلى جانب العديد من الجامعات الأوروبية والأمريكية. كما حاضر في عدة جامعات عبر جميع أنحاء العالم الأوروبي والإفريقي والأمريكي مراكش بالمغرب وجامعة تونس والجامعات المصرية والجامعات الأمريكية.

وقد اختص مالك شبل في الأنثروبولوجيا والأديان والفلسفة، وأساساً في القضايا الإسلامية؛ وهو من أشد الداعين إلى الحوار بين الحضارات والأديان ومن الداعين لعصرنة الفكر الإسلامي فهو صاحب فكرة «إسلام التنوير» التي أطلقها العام 2004، بعد أن لمع اسمه إثرَأحداث سبتمبر/ أيلول 2001؛ إذْ اجتهد في بحوثه من أجل توصيل رؤية عن الإسلام من منظور تنويريّ، فحاول أن يُقدّم الصورة الحقيقيّة للإسلام وحضارته التي لا تُختزل في قضايا العنف أو التشدّد أو التكفير.

  وشعر أنّ الأوروبيين والغرب بصفة عامّة في حاجة إلى فهم حقيقة الإسلام؛ لذا دعا الآخر الغربيّ إلى عدم النظر إلى الإسلام كدين فقط، وإنما أيضاً كَمُنجَزٍ حضاريّ ساهم في تطوير الفكر الإنسانيّ وقدّم شواهد مثيرة على ذلك من بغداد العباسية، إلى مصر الفاطمية، فإسبانيا الإسلامية وما توافرت عليه هذه الحقب التاريخية من ثراء فكري وحضاري ارتبط الفكر الإسلاميّ خلاله بالترجمة والانفتاح على الفلسفة الإغريقية حيناً بتشجيع من الخلفاء المستنيرين، وبالثقافات الشرقية القديمة كالثقافة الهندية والفارسية وغيرها حينا آخر. واعتبر الفترة الأندلسية مثالاً على إسلام التآخي بين البشر والمحبة، إذْ لم يمارس المسلمون العنف تجاه الآخرين طيلة سبعة قرون، ولم ترتكب المجازر ضد اليهود أو المسيحيين بل اتخذ بعض خلفاء المسلمين أطباء من اليهود.

ولم يكتفِ الفقيد بالمحاضرة في الكثير من الجامعات الأوروبية والإفريقية والأميركية، وإنّما قدّم أفكاره وأطروحاته الفكرية والتنويرية في الكثير من المؤلفات التي اشتغل عليها، وثَرّى بها المكتبات العالمية وليس الجزائرية أو العربية فقط، ومن أهمها: «قاموس الرموز الإسلامية»، «العبودية في أرض الإسلام»، «الإسلام كما شرحه مالك شبل»، «الخيال العربي الإسلامي»، «الموضوع في الإسلام»، «ظاهرة الإسلام»، و «ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية» وهي ترجمة اشتغل عليها طيلة 15 سنة وأخرجها في 1250 صفحة، وقد اختلفت جذرياً عن الترجمات السابقة، حيث اهتم بترجمة المعنى لا ترجمة النص، ما أثار جدلاً كبيراً، وقد أرفقها بقاموس موسوعي للقرآن الكريم يساعد على الفهم وربط ذلك بالظروف والتركيبة التي نزل بها القرآن الكريم، وقد لقي أصداءً إيجابية لدى البعض وسلبية لدى البعض الآخر.

وقد كان لمالك شبل حضور إعلامي لافت في القنوات التلفزيونية والمنابر الإعلامية المختلفة، وخاصة بعد تصاعد موجات العنف التي تأتيها الجماعات المتشددة المنسوبة، زورًا، على الإسلام؛ حيث دافع عن إسلام التنوير، وتبرّأ وبرّأ الإسلام من التكفير، واعتبر الدفاع عن الإسلام في هذا السياق التاريخي الخطير دفاعاً عن التقدمية ضد الظلامية والتحجر والجمود، ودفاعاً كذلك عن الفكر النقديّ ضد فكرة القوة وعنف الأفكار الإيديولوجية التي اجتاحت عقول شبابنا المسلم.

ودعا مالك شبل شيوخ الإسلام وخاصة من يظهر كثيراً على القنوات التلفزيونية، إلى التحري قبل التصريح بأيّ موقف، ذلك أنهم يخاطبون أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم وهم متعددو الثقافات واللغات والعادات والتقاليد، وعلى هؤلاء الشيوخ أن يأخذوا بعين الاعتبار ذلك التعدد الثقافيّ، وذلك في إشارة إلى مواقف بعض الشيوخ من ختان البنات وتعدد الزوجات وغيرها من المسائل الاجتهاديّة.

   يعتبر الراحل مالك شبل من كبار الاختصاصيين في موضوع الإسلام، حيث ظل يشتغل لأكثر من 25 عاماً بشأن الإسلام والتنوير الإسلامي، وأنجز دراسات أكاديمية عدة من وجهة نظر تنويرية وعقلانية، ودافع بشراسة عن الإسلام كما يراه، ورفض مسمّيات أريد بها باطل مثل الإسلام الفرنسي وقال: «لا يوجد إسلام فرنسي، فالإسلام واحد، والقرآن واحد والشهادة واحدة…» لكنه دافع عن الحق في الاختلاف قائلا: «لكن هناك مدارس تفكير واجتهادات وقراءات وتطبيقات قد تؤثر على تلقي الإسلام في أوروبا والغرب بصفة عامة».

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket