أنوار جامعية نيوز / أ.سليم بودبوس
إذا المَحجورُ سُئِلَ، بأيِّ ذنْبٍ عُذّبَ… هل تلخّص هذه العبارة معاناة التونسيين الذين عادوا يوم 12 جويلية الماضي إلى بلادهم يدفعهم الشوق والخوف؟ الشوق للوطن، والخوف من مغبّة سفرة تحمل في طيّاتها كلّ الاحتمالات بعد أن خرجوا من بلد الإقامة بفحص طبيّ نتيجته سلبيّة ولم يتجاوز 72 ساعة من تاريخ إجرائه.
هل تكفي هذه العبارة، وتفهمون ما يتقاطر منها من شكوى، وما يسيل منها من عذاب ومشقّة؟ قد لا تكفي وقد تحتاج مزيد توضيح؛ فلا يزال العائدون من بعض دول الخليج العربي يئنّون تحت وطأة المفاجآت غير السّارّة في بعض الفنادق المخصصة للحجر الصحيّ الإجباري في تونس!!
لنبدأ الحكاية من البداية، وأرجو أن تكون لمعاناتنا نهاية… حدّثتكم سابقا عن الصعوبات التي اكتوى بها العالقون في شهر مارس وأفريل حتّى وقع إجلاؤهم في شهر ماي، وحدّثتكم عن لعنة الخطّ المباشر الذي نفتقده بين دول الإقامة وبلدنا الحبيب.. ولا فائدة في إعادة التذكير فمع الخطوط التونسية ووزارة النقل و”اللوجيستيك”(وما أجمله من اسم) ليس في الإعادة إفادة وإنما: (قد أسمعت لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمـن تنادي)
حدّثتكم عن المعاناة المادية والنفسية لإجراء فحص سلامة الحياة، فحص كوفيد 19، فهذا الفحص باهض الثمن في دول الإقامة، عزيز الشأن علينا إذْ به يتحدد كل شيء؛ فلا سفر ولا ركوب للطائرة إلا به.ولكم أن تتخيّلوا معي حجم المعاناة النفسية طيلة48 ساعة قبل السفر: حقائب جاهزة وأولاد يطيرون من فرحة السفر، وأنت تخفي عنهم أنه لو كانت نتيجة فحص واحد (لا قدّر الله) غير سلبية فإن الجميع سيحجر عليهم…
وبالرغم من كل ذلك أبى التونسيون إلاّ العودة وزيارة الأهل وقضاء إجازة العيد بين أهلهم.. تفاءلنا خيرا حين حطّت الطائرة بنا في موعدها بمطار الحجيج، تهامسنا سرّا فيما بيننا للتنظيم في الاستقبال والابتسامة التي تراها في وجوه العاملين بالمطار، شكرناهم جهرا لمّا انتهت الإجراءات بانسيابية معقولة لولا عدم انسيابيّة مرور الحقائب، فلا بدّ من شيء ندفع به العين…
حدّثتكم عن ضبابية الصورة، وعدم الوضوح والشفافية في المعاملات بين القول والفعل، وعدم وصول القرارات الجديدة إلى شركات الطيران بالسرعة المطلوبة لولا تدخل سفاراتنا في دول الإقامة…كل ذلك (كُوووم والجاي كوووم آخر).
فهل أتاكم حديث الفنادق/المحاجر؟ قد لا تعلمون أنه لا ركوب في الطائرة إلا بتوصيل خلاص الفندق الذي سنقضي فيه الحجر الإجباري وهنا أَصِلُ ولو متأخرا إلى بيت القصيد هذه المرة:
ما حصل مساء الأحد 12 جويلية في أحد فنادق الحمامات المخصّصة للحجر لا يُصدّق ولا يوصف إلا برؤية دموع الأمهات والأبناء الذين تحرّقوا شوقا لوطنهم فاحترقوا بنار المعاملة والفوضى واللانظام والاستغلال الفاحش للظروف الاستثنائية..
لا يُصدّق ولا يوصف لأننا من المفروض قد صارت لنا خبرة في تونس في التعامل مع الوافدين ومع كورونا بالذات.. لكن يبدو أنّ خبراتنا القديمة في التهاون مع السائح التونسي (مقارنة بالأجنبي)عادت فما بالطبع لا يتغيّر بين “كورونا وضحاها..” والطبع يغلب التطبّع.
نعم بعد وصول وفد من العائدين إلى أرض الوطن للإقامة بوصفهم من المحجور عليهم، والمفروض عليهم سياحة صحية أسبوعا كاملا وعلى حسابهم الخاص، وبالمبالغ التي قرّرتها الوزارة بعد إرضاء أصحاب الفنادق، ولا شكّ… وبعد رحلة دامت لأكثر من 28 ساعة مع البعض، كانت الصدمة الأولى؛ فقد تفاجؤوا بأن الفندق الذي حجزوا فيه (complet)؟
كيف هذا؟ نعم مثل هذا يحدُث في تونس… طبعا لا تنسَوْا أنّ الاستقبال (شايح) أقصد حتى شربة ماء للأطفال والنساء ما فمّاش؟؟؟ كيف يكون الفندق ملآنَ والحال أنهم قد حجزوا فيه، ودفعوا؟؟؟ وكانت الصدمة الثانية: أخذوهم إلى فندق مجاور بحجة أنه يتبع نفس المالك ونفس السلسلة، والفنادق (لبعضيها) ولو على حساب راحة التونسي… وهنا لا أراكم الله مكروها…قد يسمّى كل شيء إلا فندقا… باختصار رفضوا الإقامة فيه، وبدأت الاتصالات،والاستغاثات والضغوطات لاسترداد حقوقهم، نعم لاسترداد حقوقهم في الإقامة في الفندق الذي حجزوا فيه…
وقرّروا العودة إليه، وفعلا رجعوا فكانت المفاجأة الثالثة لكنّها من العيار الثقيل: خبر غريب.. لم يخرج المقيمون السابقون والذين من المفترض أن إقامتهم انتهت في الفندق بحجة وجود حالة إيجابية قائمة… وما دخل الحالات السلبية.. لماذا لا يخرجون؟ هل يعاقب السليم (فحص سلبي) بنتيجة المريض (فحص إيجابي)؟ هذا طبعا إذا صحّ أنّ هناك نتيجة اختبار إيجابية.. فقد تناقل إلى علم البعض في الفندق أنها كذبة سَمِجة لتخويفهم وتحويل وجهتهم إلى فندق آخر فكما قلت الفنادق لبعضيها… وبعد أخذ وردّ وهرج ومرج واتصال بالمسؤولين والإعلام وعند حدود الساعة العاشرة ليلا جرى تسكين النزلاء الجدد في غرفهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي عموم الملاحظات التي نقلها إلينا التونسيون العائدون منذ 30 جوان الماضي فإنّ الخدمات تتفاوت من فندق إلى آخر لكنها في عمومها لم ترق إلى مستوى انتظارات العائدين ولا إلى مستوى المبالغ التي دفعوها.. فبعض الفنادق خدماتها متدنية جدا؛ تصرف أقل ما يمكن لتجني أكبر ربح ممكن. وكما قلنا سابقا سيكون الوافدون من الدول التي صنّفتها وزارة الصحة حمراء كبش فداء الحجر المجاني!
ولإعطاء كل ذي حق حقّه فإنّ واحدا من هذه الفنادق، والذي من حسن حظي أقيم فيه وعائلتي، يعتبر في مستوى التوقعات، فقد وجدنا فيه المِهنية، والخدمة الجيدة، والمعاملة الطيبة لذلك أحيّي فندق (1) Belisaire Thalasso Médina باسمي وباسم كل من أقام فيه.
ملاحظة
(1) تعمدت ذكر اسم النزل اعترافا وليس اشهارا