الجزء الثاني : المخرج حافظ خليفة يكتب عن تجلياته في عمق الصحراء الموريطانية

أنوار جامعية حافظ خليفة يكتب من موريطانيا

حافظ خليفة

المخرج حافظ خليفة يكتب عن تجربته في اخراج ملحمة “منت البار ” التراثية بصحراء موريطانيا

الجزء الثاني

تجليات في عمق الصحراء الموريطانية

وأهمية المراة في وهب الحياة للوطن من خلال اسطورة منت البار

تعرضت في الجزء الأول من تجربتي في اخراج ملحمة “منت البار” بصحراء موريطانيا الى الإطار الزماني والمكاني والتاريخي لهذا العمل الملحمي الضخم والاختيار علي شخصي كمشرف ومخرج لهاته المهمةالمشرّفة احية التكوين بالولوج إلى داخل التجربة المسرحية الموريتانية لتحفيز الشباب و وضعهم على الأسس السليمة

في هذ الجزء الثاني سنتطرق إلى خصوصة العمل من حيث الموضوع والايقاع والتكوين والاخراج وأهمية الصلاة

الموضوع:كان الاختيار على حكاية او لنقل أسطورة شعبية من التراث الموريتاني و هي منت_البار (يعني ابنة صاحب البر و الود) ،و هي أسطورة حسانية تتغنى بحسن و جمال فتاة صحراوية سلبت الألباب و أفئدة الفرسان، إذ كانت حادة الذكاء و الفطنة مع قدرتها القوية بموزيان الشعر و صياغة الالغاز ككل سكان الصحراء في الفطنة و البديهة و قوة القريحة، و لعل أقوى ما قيل فيها من شعر الأكثر شهرة و حفظا لدى الشعب الموريتاني:

امنادم ما شاف التنشاف *** اعل منت البار اعل نار

اتنشَّف خلتهَ ما شاف *** التنشاف اعل منت البار

و كانت المهمة ان نطوع هاته الاسطورة إلى نص ملحمي فرجوي حمالا لمعاني معاصرة متصلة بهوية و حاضر الشعب الموريتاني،و ككل شعوب الصحراء عن الرغم اتسامه بالسلطة الذكورية فانه ظلت و لازالت الأنثى محل تساؤل و ملهم لكل الحكايات و خاصة اننا نتحدث ببلد المليون شاعر، و هذه ليست بمبالغة لما لمسته من تعلقهم الشديد باللغة العربية و قدرة المواطن الموريتاني على التعامل مع اللغة باللهجة المحلية او العربية ككل سكان الصحراء و كتاريخنا العربي منذ قرون قبل و بعد الإسلام.

فكان التساؤل و محور العمل على أهمية المرأة في وهب الحياة للوطن و المستقبل، فاضحت “منت البار” و كأنها موريتانيا و استماتتها في الوقوف ضد اي غاصب، مع الاحالة لهؤلاء الخطاب و تعاقبهم و تنافسهم ،إلى كل من يريد قيادتها و تطويعها لما يريد،فكانت هي دائما سيدة الموقف، و كلما يعرف ما حصل من تعاقب و انقلابات و اضطرابات من اجل قيادة هذا البلد المثير للاهتمام و هذا الشعب الذي لازال متعلقا باصوله البدوية و الصحراوية،و دعوتها إلى الوحدة القبلية و الذود عن أي عدو او غازي خارجي.

التكوين: لم يكن ما قمنا به تكوينا بالمفهوم الكلاسيكي بل هو تدريب على كيفية صياغة عمل ملحمي مسرحي بمختلف مراحله و لعل اهم مرحلة،إدارة الممثلين الذين كانوا من الهواة،و يعتبر وجود العنصر النسائي بهذا الكم كسبا كبيرا و فرصة فريدة لاكتمال اجزاء اللعبة المسرحية،و نظرا لأهمية المرأة بالموضوع و الفعل و الغرض و الهدف.

إن اهم عامل لتحقيق النتائج بايسر السبل و اسرعها مع الهواة هو الثقة التي يجب زرعها بين المشرف و المتلقي و بين الممثل و ذاته و إمكانياته كمادة خام قابلة للصقل و الذهاب بها بعيدا،لقد حقق هؤلاء الشباب و في مدة قصيرة اشواطا مهمة في الحضور و طريقة الاداء المقنع من حالات التقمص و الحركة و فهمهم للايقاع و الفضاء رغم شساعته،مع الوعي بالآخر و تحرك المجموعة.

الاخراج: Souleye Abd El Vetah e سولي هذا الشاب المتقد بالنشاط و الحيوية و الحالم و التوّاق إلى المعرفة بعالم المسرح و الاخراج و المولع بالكتابة المسرحية،رأيته و هو يسترق كل الملاحظات التي اقوم بها و يتبناها دون عناء او عناد او عقد نرجسية،و كنت بدوري احاول ان أكون الظل الثاني له امام المجموعة علاوة على دوره كان ممثلا رائعا،لقد فهم بفطنته ان عمق الاخراج اولا هو كيفية التعامل و ادارة الممثل، و ان حمل مشروع مسرحي يحتم عليه اكثر اطلاعا و انفتاحا للتعلم،و هذا ما زاد في ثقة الشباب به،كنت احاوره و ادعوه بالتعسف على نفسه و الا يرضى بالمتاح فحسب، بل يجب ان نذهب إلى مساحات اخرى من التأويل للعمل و ايجاظ حلول اخراجية مستحدثة،حتى و إن كان موضوع العمل تراثيا و على رمال الصحراء.

الايقاع:إيقاع الحياة بموريتانيا قاتل لأمثالي الذي تعوّد السفر و الحركة و السرعة في الاعداد و التنفيذ باعتباري متفرغ كليّا للفن المسرحي و هذا أمر لم يفهمه حتى زملائي بتونس فأنا اعمل بالمسرح بتوقيت لا يقل عن 10 ساعات يوميا(من الصباح إلى المساء) الشيء الذي هو ليس متاحا لديهم باعتبارهم موظفين بهياكل التدريس او الادارة المقيتة،و كأغلب المسرحيين بالوطن العربي كان الشباب موظفا لكسب العيش او طالب علم، فكانت التمارين بآخر النهار،و حتى في التعامل مع باقي المراحل و خاصة التسجيل الصوتي و الموسيقى التصويرية،كانت عدد كؤوس الشاي اكثر من الساعات التي امضيتها و انا انتظر تفرغ الفنان سيدي المختار عبد القادر صاحب الاستوديو،و لعلها سمة عامة لأهالي موريتانيا نظرا للأصول الصحراوية و رتابة الحياة و عدم تعقدها و بساطتها ،جعلت من هذا الإيقاع ممططا،و كنت قد استغربت سابقا لما تم تكليفي بالمهمة و تم الاتفاق على عشرة أيام كأقامة بنواكشوط و كنت مستغربا من طول المدة و كنت اقول ان نصف ألمدة كافية ،و الآن اقول ،لابد من إقامة لشهر لمسايرة هذا الإيقاع للوصول الى ما نريد من المستوى و الأهداف المطلوبة.

الصلاة:مع أول ان يُسمع الاذان من بعيد و نحن على رمال الصحراء،ترى الشباب يذهب للتيمم بأول حجر يجدونه ملقى جانبا، ثم يبدؤون في الصلاة على الرمال الصافية،لا يهم ان كنا بالمشهد الأول أو الاخير ،المهم ان يقوم كل فرد( أولاد او فتيات) فيهم بصلاته حاضرا،و كان لنا موعد احيانا مع أذان العصر،اذا اتينا باكرا،اما من المؤكد ان هناك المغرب و العشاء في المحصّلة..و كنت أراهم بهذا الهدوء المعهود بينهم،و أكاد اجن و اقول لنفسي: انهم لا يصرخون ،و لا يتشاجرون،(مثل باقي بعض فناني الدول الاخرى)انهم فائقي الود و الاحترام فيما بينهم رغم صغر سنهم المراهق الذي يبعث احيانا على السلوك المزاجي..عندها اقول نفسي :

انها الصحراء اياها الغافل و ما تحمل من هدوء نفسي و اتصال عميق مع الطبيعة و الخالق و أخلاق و مبادئ و قناعات في احترام النفس و الذات الأخرى،انها الصحراء تتجلى بصفائها في وجوههم،و عنفها في حدة ذكائهم و فطنتهم..انها الصحراء ايها الغافل، الأصل و المنشأ لهويتنا و تاريخنا،انها الصحراء منبع كل الحكايا و الاساطير،انها الأنثى التي نريد و لا نستطيع أن نجدها لأنها تسكن ببقاع مجهولة لن يجدها إلا من مشى حافيا على رمال كثبانها..انها “منت_البار“.

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket