“الحريّة في زمن كورونا” بقلم استاذة الادب العربي آمنة باشا

أنوار جامعية نيوز آمنة باشا

آمنة باشا
أستاذة الادب العربي

الحريّة في زمن كورونا

كما الضوء للعينين، والهواء للرئتين والحب للقلب، هكذا هي الحرية للنفس البشرية، لذا استماتت شعوب على مر التاريخ من أجل الحفاظ عليها او استردادها ممّن اغتصبها، وعاشت البشرية حرة كما قدّر الله لها ان تكون. وتصديقا لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولته الشهيرة “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟”

 لذا كانت الحرية على مر العصورالأساس والعبودية الاستثناء … لكن هل استوعب البشر المعنى الحقيقي للحرية؟ وهل احترموا حدودها في علاقاتهم مع بعضهم؟

 إنّه لمن العسير الإجابة عن هذا السؤال؛ لأن المفاهيم اختلطت والاراء تباينت في تلك الحدود التي يجب ان تقف عندها حرية الفرد، فلا يتعداها حتى لا يضرّ بغيره. ومن هنا ارتبط مفهوم الحرية بمفهوم المسؤولية؛ فأنت حرّ مادمت لم تزعج غيرك في شيء ولم تضرّ به بأيّ شكل من الأشكال، وتبعا لذلك حاولت الشعوب تحقيق تلك المعادلة الصعبة بين الحرية والمسؤولية وفهم الكثيرون أنّ” النزر اليسير من الحرية يؤدي إلى الركود والقَدْرَ الزائد منها يؤدي الى الفوضى”.

 لكنّ آخرين تصرفوا دون قيود، وباسم الحرية الشخصية ارتكبوا تجاوزات في حق غيرهم ترتقي إلى مرتبة الجرائم فكانت النتائج كارثية، وهذا ما يحصل في كثير من البلدان التي تعاني من الوباء اللعين”كورونا”. ففي بلدي تونس مثلا ومع الأسف الشديد اختار أغلب أفراد الشعب، بوعي أو دون وعي،أن يترك بلاده عليلة بسبب استهتاره وأنانيته وحريّته المزيفة، فَحُقَّ لنا أن نصف هؤلاء المستهترين بـــ”المجرمين”.

نعم، “مجرمون” ومع سبق الإصرار والترصّد؛ إذْ كيف يمكن أن نصف شخصا يعلم جيدا انه حامل للفيروس ومع ذلك يعيش حياته طليقا بين الناس، ويتحدث مع هذا ويقتني حاجياته من ذاك، ويتنقل في وسائل النقل العمومية، دون أن يلتزم البروتوكول الصحيّ من كمامة وتباعد وغيرها…؟

وكيف يمكن أن نفسّر أن تبعث أمّ ابنها المصاب الى مدرسته ليجلس بين رفاقه  في نفس القاعة،  ويتبادل الادوات معهم ويعطي معلمته كراسه لتراقب عمله المنزلي…؟ وكيف يمكن أن نفسّر سلوك ذاك الذي يوزع الدعوات للاحتفال بزواجه وكأن الدنيا بخير والحياة جميلة لا وباء فيها ولا هم يحزنون؟وكيف؟ وكيف؟ وألف كيفَ؟

 اه أيتها الحرية! كم من الجرائم ترتكب باسمك؟ وأيّ جرائم؟ انه القتل العمد وبسبق الإصرار، اذ ليس من المنطقي في شيء ان يتباهى الواحد منا بحريته وهو مكبل بقيود من الجهل والحقد علىأهله واصدقائه وأقرب الأقربين إليه، نعم ليس الجهل فقط هو الذي دفعهم الى اقتحام حرية الغير وإيذائه في اغلى ماعنده، في صحته، إنّما هو ايضا خليط من الأنانية والحقد والحسد أيضا…

أسفي عليك كبير يا بلدي فقد أنجبت أجيالا “لا تفهم معنى الحرية ولا تملك سيفا ولا قلما ولا تحمل فكرا وهوية” علي حد تعبير أحمد مطر لقد كشفت جائحة كورونا عورات هذا المجتمع، بكل أسف وأسى:أعمى البصيرة، أسود القلب يتصرف بأنانية…لذا لم تعد حرب بلادنا ضد الوباء فحسب،وإنّما هي أيضا حرب ضد الوباء والغباء والقلوب السوداء على حد سواء…

ومع كل ذلك يبقى الأمل قائما في القضاء على هذا الوباء والانتصار عليه فنحن أمة محمد عليه الصلاة  السلام وهي أمة لا يكتمل إيمانها الا بحب الخير للغير، وإيثاره على النفس وليس العكس لقوله صلي الله عليه وسلم” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”

فهلا أحببتم بعضكم يا أبناء بلدي؟ وهلا تركتم عاداتكم السيّئة،وثرتم على مفاهيمكم البالية؟ وهلا تخلصتم من أنانيّتكم وحريّتكم المزيفة؟ عسى الله تعالى أن يرفع عنا هذا الوباء فذاك هو السبيل الوحيد فهو القائل سبحانه:”إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”.(الرعد:11) صدق الله العظيم.

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket