أنوار جامعية لطفي سعيد
العزوف عن المُطالعة …أمّة اقرأ … متى تقرأ؟
أمّة اقرأ … متى تقرأ؟ سؤال حارق يضطرم في نفوس ما تبقّى من الغيورين على “خير جليس في الأنام..” في عصر انطفأت فيه او تكاد حماسة الناس للإقبال على المطالعة قصة كانت او وثيقة او مخطوطا نادرا. يأتي هذا العزوف نتيجة حتمية لضرب مُمنهج لمُقوّمات الفكر و استفراغ أجيال من مُقومات الهوية وبناء الذات وفرض قطيعة قصدية بين القارئ والكتاب من خلال توفير بدائل أخرى هجينة صارت لا غنى عنها. هل من التشاؤم ام هو محض واقعية أن نقول بان الكتاب اليوم في حالة موت سريري؟ ربما كان هذا وذاك غير أن الثابت أن القارئ قد مرّ من مرحلة العزوف عن القراءة الى مرحلة التجاهل الكلي بعد ضهور وسائل ترفيهية وشبه تثقيفية حديثة شغلت الكُل عن الكُل. البيداغوجيا قبل الفكر وحتى لا يكون حديثنا عن الوضع الراهن للكتاب والمطالعة ضربا من السوداوية والقتامة فإن استخدام الكتاب والوثيقة المكتوبة في عصرنا قائم على أسس برغماتية لا تخفى فطالب العلم من تلميذ او طالب أو باحث جامعي انما يستعين بالوثيقة كضرورة حتّمها البحث أو التحصيل العلمي فتكون الغاية بيداغوجية قبل أن تكون معرفية صِرفة. السجون الافتراضية هذه القطيعة مع الكتاب أنتجب بدائل أخرى صرفت كليا اهتمام الناس بل وسجنتهم في محاربيها فتحولت من متنفس وملاذ إلى ضرورة حياتية لا غنى عنها على غرار كرة القدم التي تحولت إلى أفيون كوني إضافة الى الانترنيت التي سجنت شعوب العالم في فضاءها الافتراضي بل وفرضت نسقا حياتيا مقيتا بين أفراد الأسرة قام على القطيعة بين الجميع فغاب الحوار وحلّ التقوقع والانطواء وتحوّلت الفضاءات الافتراضية و منصات التواصل الاجتماعي الى سجن كبير ساهم الى حد كبير في تفقير الذات و طمس الهوية و تغييب الفكر وملكة الخلق و الابتكار. قال أحدهم: لمحبرة تجالسني نهــاري * أحب إلي من أنس الصديق ورزمة كاغد في البيت عندي * أحب إلي من عطر الدقيق ولطمة عالم في الخد مــني * ألذ لدي من شرب الرحيق وقال آخر نعم المؤانس والجليس كتاب * تخلو به إن خانك الأصحاب لا مفشيـاً سراً ولا متكـدراً * وتفاد منه حكمة وصـواب .