أنوار جامعية نيوز / أ.سليم مصطفى بودبوس – البحرين
تعاظمت ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺘﻁﻭّﻋﻲ وازدادت الحاجة إليه ﻓـﻲ العالم، ولا سيما في فترات الأزمات والحروب والجوائح كالتي نمرّ بها اليوم. لذا جرى اعتماد الخامس من ديسمبر يوماً عالمياً للتطوع، وكذلك إطلاق السنة الدولية للتطوع 2001 أي مع مطلع الألفية الثالثة.
وينظر المختصّون ﻓﻲ ﻋﻠﻡ اﻻجتماﻉ إﻟﻰ العمل التطوعيّ ﻀـﻤﻥ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺘﻁﻭﻴﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ، أو ﻀﻤﻥ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺘﻌﺯﻴـﺯ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ. وﻴُﻘﺎﺱ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﺒﺩﺭﺠﺔ ﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴّﺎﺕ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﻴﺔ. ﺃﻤـﺎ ﻤﺅﺸـﺭ ﺩﺭﺠﺔ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘّﻌﺎﻭﻥ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﺎ ﻓﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺘﻌﺭّﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺒﺭ ﻤﻘـﺩﺍﺭ ﻤﻴل ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺘﻜﻭﻴﻥ ﺠﻤﻌﻴّﺎﺕ ﺘﻁﻭﻋﻴّﺔ.
ومن منظور ﻋﻠـﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼــﺎﺩ يُعَدّ ﺍﻟﻌﻤـل ﺍﻟﺘﻁﻭﻋﻲُّ ﺍﻟﻘﻁﺎﻉَ ﺍﻟﺼﺎﻋﺩ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲّ ﻓﻲ اﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟحاﺩي ﻭﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ، وعليه فإﻥّ ﺍﻟﺒﻠﺩﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻭﺠﺩ ﺒﻬﺎ ﻗﻁﺎﻉ ﻋﻤل ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺘﻁﻭّﻋﻲّ ﻤﺘﻁﻭّﺭ، ﺴﺘﻜﻭﻥ ﺃﻜﺜﺭ ﺤﻅﺎً ﻤﻘﺎﺭﻨﺔ بغيرها ﻓـﻲ ﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻷﺯﻤﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ والاجتماعية والصحية ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒل.
من جهة ثانية اكتسح مفهوم الجودة عالم الأعمال وصار لزاماً على المؤسسات اتباع معايير دقيقة للجودة الشاملة، وبُعِثت من أجل ذلك الهيئات والمؤسسات لمراقبة جودة العمل في القطاعين الخاص والحكومي.
ولمّا كان العمل التطوعي، على خصوصيّته وطابعه الإنسانيّ، خدمة مسداة لمن يحتاجها، صار أدعى أن يُقاس أداء هذه الخدمة وفق معايير الجودة لتلبية حاجيات وتوقعات «العميل» أو المنتفع بهذه الأعمال التطوعية. وعليه يحتاج العمل التطوّعي إلى إدارة جودة شاملة لرفع مستوى الأداء وتقليل الوقت لإنجاز المهامّ.
ومن جهة ثالثة، اكتسب مفهوم التنمية المستدامة زخماً عالميّاً مع صدور تقرير برندتلاند (Brundtland) «مستقبلنا المشترك» الذي أعدته اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية العام 1987، وقد عرّفت اللجنة التنمية المستدامة بأنها «تنمية تلبّي الاحتياجات الراهنة دون انتقاص من قدرة الأجيال المقبلة على تلبية الاحتياجات الخاصة بها» ويمكن تلخيص جوهر التنمية المستدامة في أربع كلمات: (الكفاية لكل البشر وللأبد). ويمكن إرجاع التوجه إلى التنمية المستدامة إجمالاً إلى تحديات بيئية، واقتصادية وأخرى اجتماعية.
وبما أنّ العمل التطوعيّ ليس مجرد جهود خيِّرة تبذل لإنقاذ مصاب أو علاج مريض، أو مجرد أموال تنفق لسد رمق محتاج، وإنما العمل التطوعيّ عمل مدروس مبنيّ على خطط وبرامج موجّهة، فقد صار لزاماً أن يلتقي مع أهداف التنمية المستدامة وأن يكون رافدا للمساهمة في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
وكما أنّ علم الإدارة الحديثة اتّبع أعلى معايير الدقة والجودة في إدارة الأعمال حرصاً على مكاسب مادية مشروعة، فإنّ إدارتنا للأعمال التطوعيّة ينبغي أن تكون على هذا المستوى من الوعي بضرورة تطوير منظومة العمل التطوعيّ بالتخطيط والتفكير الإستراتيجيّ والجودة والإتقان والأداء والمتابعة والرقابة والتوجيه والتدريب المنظم المستمرّ لكفاءة العاملين ومهاراتهم للأداء الجيد ومتابعة تطوير الأداء والاستفادة من الخبرات القديمة التراكمية في مسيرة العمل التطوعيّ.
في ضوء ما تقدّم، لا يمكن لأهداف التنمية المستدامة أن تتحقق دون العمل التطوعي ولا يمكن للعمل التطوعي أن يحقق أهداف التنمية المستدامة دون إدارة شاملة للجودة. إنه المثلث التطوعي (تطوع، جودة، تنمية مستدامة / ماذا؟ كيف؟ ولماذا؟) ولا يمكن لأحد أضلاعه أن يتخلّف عن المسيرة.
وبحكم التفاعل بين هذه الأقطاب الثلاثة للمثلث التطوعي، تتولّد مفاهيم تطوعية جديدة:
فأمّا العلاقة بين قطبيْ «التطوّع» و«التنمية المستدامة» فتستدعي غربلة الجهود التطوعيّة وتوجيهها توجيها واعيا بحيث يجري نقلها من مجرّد أعمال عفويّة إلى أعمال تنمويّة مستدامة وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بمفهوم تطوعيّ جديد هو «النقل المستديم للعمل التطوعيّ» أو بإيجاز «استدامة التطوّع».
وأمّا العلاقة بين قطبيْ «التطوّع» و«الجودة» فيستدعي إدارة محكمة للعمل التطوّعي تستند إلى معايير الجودة وعلى المتطوّع أن يلتزم بهذه المعايير والأخلاقيات بعد أن يَعْلَمها ويخضع للتدريب اللازم من أجل الاهتداء بها في إدارة الشأن التطوّعيّ. كما من الضروريّ أن يعرف المتطوع حقوقه وواجباته، ويتولّد عن هذه العلاقة بين «التطوّع» و«الجودة» مفهوم «العقد التطوعيّ» أو «الميثاق التطوّعيّ».
وأمّا العلاقة بين قطبيْ «الجودة» و«التنمية المستدامة» فهي علاقة تكافل وتعاون، حيث ترفد العملَ التطوّعي بالوسيلة والغاية (كيف؟ ولماذا؟) وتقوم بعملية فرز لكل جهد تطوّعي؛ فتترك جانباً كل التصوّرات التقليدية للعمل التطوعي ونُنحّي جانبا تلك التمثلات الخاطئة التي تحوّلت إلى عوائق تَحولُ دون تحقيق العمل التطوعيّ هدفه ومبتغاه. لذا يتولّد عن العلاقة بين قطبيْ «الجودة» و«التنمية المستدامة» مفهوم «التمثلات أو التصوّرات التطوعيّة» وكذلك مفهوم «العوائق التطوعيّة» التي وجب التنبيه إليها وإزاحتها من أجل ضمان أعلى درجات النفاذ والجودة للعمل التطوعي في سبيل المساهمة الفاعلة في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة.
ملاحظة: كلّ المصطلحات الواردة في المقال (المثلث التطوعي، العقد التطوعي، العوائق التطوعيّة…) مبتكرة من الكاتب، حيث ساهم بورقة علمية خلال المنتدى التطوعي الثاني المنعقد بمملكة البحرين مارس2017، وأقرّ المنتدى هذه المفاهيم الجديدة. وقد نشر الكاتب ورقته العلمية في كتاب بعنوان مفاهيم في العمل التطوعي 2018 وفي الصحف المحلية البحرينية.