توانسة في المهجر… بقلم الإعلامي سليم بودبوس

أنوار جامعية نيوز / سليم مصطفى بودبوس

سليم بودبوس
سليم بودبوس

توانسة في المهجر…

     لم يكن لي بدّ من الانضمام إلى بعض الصفحات الفايسبوكية التي تعْنى بوضع التونسيين في المهجر، أو متابعة بعض الحسابات الخاصة لعدد من الأصدقاء والزملاء ولفيف من الأخوة والرفاق التوانسة وأعني دائما المقيمين خارج الوطن العزيز. ولا يمكن أيضا أن أكون خار ج مدار اهتمامهم كوني واحدا منهم منذ قرابة عقدين من الزمن.. أي أنني مهاجر مخضرم ما قبل “الثورة” وما بعدها.

وأعتقد جازما أنّنا لا نختلف في أنّ حريّة التعبير هي المكسب اليتيم الوحيد لهذه “الثورة” التونسية المختطفة. حريّة سمحت للمهاجرين بنقد منظومة الفساد التي نخرت مطار تونس-قرطاج الدولي وبعض الموانئ التي تستقبل المواطنين بالخارج، حريّة في التعبير والتشهير بالمفسدين وفضح ما يتعرّض له العائدون كل سنة إلى أرض الوطن من ابتزاز وسلب وسرقة ازدادت وتفاقمت في العامين الأخيرين مع موجة كورونا وما ترتّب عنها من إجراءات تذمّر منها معظم المهاجرين.

غير أنّ حريّة التعبير هذه، وللأسف، تحوّلت إلى نوع من جلد الذات حينا والترفّع عن الوطن حينا آخر، بل وشتم الوطن والاستنقاص منه في أطوار عديدة. وهذا ما قرأته مرارا وتكرارا في خطاب المهاجرين في الصفحات الجماعية والشخصية على الفايسبوك خاصة وذلك منذ بداية الإعداد للعطلة الصيفيّة والاستنفار الداخلي لاستقبال المواطنين بالخارج.

لقد حزّ في نفسي عميقا أن يتحوّل تذمّر الكثيرين من أبناء تونس بالخارج من القرارات اللامسؤولة والخاطئة والمجحفة في حقهم إلى نوع من جلد الذات وتصفية الحساب مع “تونس” وإلى شتم للبلاد، بل وصل الأمر بالبعض إلى طرح أسئلة عبثيّة من قبيل (لو لم يكن أبوك وأمك على قيد الحياة فهل تعود إلى تونس في الصيف؟) كما وصل الأمر بالبعض الآخر إلى الدعوة إلى مقاطعة العودة إلى الوطن…

لقد فات هؤلاء المدوّنين المهاجرين أنّ هذا البلد تونس العظيمة هي أولا وآخرا بلدنا وليست بلد من يحكمها من الساسة فهؤلاء يمرّون بمواقع الحكم وسوف يسجّل لهم التاريخ كل مآسيهم التي حلت بالوطن بسبب فشلهم في إدارة الأزمات منذ 2011.

لقد فات هؤلاء المدونين ايضا، أو تناسوْا، أنّ تونس أكبر بكثير ممّن يحكمها، وأنّ الوطن أمّ لنا واجب علينا البرّ بها ولا يحقّ لأحد في الداخل والخارج أن يشتمها لا سرّا ولا علنا. فما دخل “تونس” العظيمة في أخطاء أشباه الساسة والمسؤولين؟ ماذا تعلّمُ ابنك وابنتك وأنت تشتم صباحا مساء وطنك وبكل وقاحة وكأنّك حيّة خرجت من جلدتها!

إنّ تونس التي سوّلت لك نفسك أن تسبّها وتسخر منها وتحقّر من شأنها بين الأمم، وأنت تعلم عدد أصدقائك على الفايسبوك من الدول الصديقة والشقيقة، تونس هذه لا تتشرّف بك وبأمثالك، فأنت عاقّ لها لا تستحق ذرّة من رمال صحرائها أو شواطئها…

لتكن أيها الفايسبوكي الحرّ المقيم بالخارج عادلا منصفا في مواقفك… إنّ ما تكتبه أو تنشره بالكلمة والصوت والصورة من  نقد أو فضح أو تشهير أو حتّى سبّ وشتم، إن سمحت أخلاقك بذلك،  يجب أن تتوجّه به إلى مسؤولين بعينهم بأسمائهم وصفاتهم في الدولة وليس إلى تونس..

حَريٌّ بك أيها الحرّ في تعبيرك أن تختار وتنتقي وتراجع ما تكتبه قبل أن تنشره، ولا تستعرض عضلاتك على أمّك، وإنّما الفاسدون والمجرمون والمخربون نصب عينيك فإن كنت جريئا فخاطبهم، ولا تقل لي أني أستعمل المجاز فأقول تونس وأعني أهل تونس أو ساسة تونس أو … حريّ بك وقد أصبحت حرّا بفضل رجال تونس أن توسع المسؤولين نقدا وسخرية وتشهيرا وفضحا… وأن تدافع عن حقك في العودة إلى الوطن مهما كلّفك ذلك طالما هو باستطاعتك، لأننا توانسة في البلاد أو في المهجر “ملاكة موش كرّاية”.

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket