أنوار جامعية نيوز / بقلم سليم مصطفى بودبوس

ليس جديدا أن يزور الفنان التونسي الخطاط عبد الرزاق حمودة مملكة البحرين؛ فهذه الجزيرة قد سحرته منذ أكثر من عقد من الزمن، حتّى صارت محطة سنوية لا يمنعه عنها إلا الشديد القوي، كما في العام الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا.
أمّا هذا العام، فقد كان وفيا لأصدقائه الفنانين، وما أكثرَهم، ولمعارض الفنّ التشكيلي والخطّ العربي التي تحتفي بها مملكة البحرين. وقد سبق عبدَ الرزاق هذا العام أعمالُه؛ حيث زرتُ المعرض التشكيلي السنوي العاشر والذي انعقد نهاية شهر جانفي/ يناير الماضي تحت عنوان “البحرين” في مجمع السيف بالعاصمة المنامة، ووجدت هناك عملا فنيا رائعا للفنان التشكيلي التونسي عبد الرزاق حمودة. ولم أجد الفنّان..
إنّه في الطريق من مدينة السلام جنيف إلى المنامة التي لا تنام فنّا وسحرا وإبداعا…
نعم لقد سحرته هذه البلاد الجميلة بما فيها من سردية تاريخية وحضارية ومعماريّة خلابة تستهويك وتأسرك حتى تصير من زوّارها سنويا.. ذلك هو المأسور بجمالها عبد الرزاق حمودة ، أبى إلا أن يلتقي أصدقاءه: الفنان البحريني القدير عباس الموسوي والفنان مهدي الجلاوي والفوتوغراف الرائع يوسف الزيرة والفنانة التشكيليّة عالمة الموسوي والشاعرة الفلسطينية دينا بسيسو والفنانة المطربة التونسية فائزة الرابعي وغيرهم كثير…

نعم ذلك هو عبد الرزاق حمودة أصيل مدينة قابس.. سفير الفن التشكيلي والخط العربي في سويسرا.. حمودة المقيم في جينيف منذ سنة 1984 يختزل تجربة فنية عميقة؛ حيث غادر مدينة قابس سنة 1976 في اتجاه فرنسا بعد تجربة دراسية في كلية الأداب بتونس في قسم اللغة والأداب الأنجليزية. ثمّ استقر في فرنسا وواصل دراسة الأنقليزية والعربية والفرنسية والإيرانية، ثم اختار الاستقرار في مدينة جينيف.
حمّودة يأسرنا بلوحاته الفنية التي يشكلها بالحرف والكلمة والخطّ العربي الأصيل: فأحيانا يطوّعه فنيّا فينصاع الخطّ لرؤيته الجمالية، وأطوارا ينصاع له فتكون لوحتُه الكلمةَ أوّلا؛ ذلك أنّه آمن أنّ الفن التزام ورسالة، كيف لا وهو سليل الجامعة التونسية في أوج صراعاتها الإيديولوجية.. نعم آمن بالفنّ رسالة لذا تراه ينتقي من الأشعار ما اجتمع فيه سحر البيان وروعة الفكر والوجدان..
ذلك هو صديقنا الفنّان عبد الرزاق حمودة… كان لي شرف معرفته من خلال فنّه قديما، وعرفته في زيارته هذه إلى البحرين عن قرب؛ حيث جمعتنا سهرات وجلسات وحوارات ومشاكسات وجدت فيها الفنان الإنسان في كونيته حيث لا حدود؛ فهو ينهل من معين الخطّ العربي، ويستهدي بجماليات الفن التشكيلي ويتأثّر بروعة الفكر الأوروبي التنويري،كما يغتذي من رواسب الثقافة الفارسية وجماليات الشعر العربي قديمه وحديثه.. فكم جميل هذا اللقاء وشكرا لمملكة الجمال مملكة البحرين التي منحتني فرصة اللقاء بالفنان التونسي عبد الرزاق حمودة.
حضر حمودة مشاركا شرفيا في أحد المعارض الفنية الكثيرة التي تقيمها مملكة البحرين والتي تسهم في تنمية الذائقة الفنية والجمالية وتعزز مجال الاستثمار الفني وتبادل الخبرات، وكذلك إبراز المواهب الفنية المتنوعة. وهنا وجب أن نشيد بالجهود المبذولة لإقامة مثل هذه المعارض الفنية في البحرين بالرغم من الظروف الاستثنائية محليا وعالميا، نعم بفضل هذه الجهود أصبح لهذا المعرض السنوي مكانة مرموقة في المشهد الثقافي البحريني والتشكيلي خاصة وأنه أصبح يستقطب عدد من الفنانين البحرينيين والمقيمين بل وتخطى صداه حدود الوطن. نعم فقد بلغ عدد المشاركين هذا العام أكثر من 180 فنانا مشاركا بأكثر من 600 عمل مقدم من 14 دولة مختلفة في مجالات فنية متنوعة مثل الرسم والخط والنحت والتصوير.
لكن الحروفيّ عبد الرزاق حمودة له مع البحرين حكايات لها فصول وأبواب ولا يسعنا هنا المجال لسردها، ولكن حريّ بنا أن نورد فصلا جديدا منها ألا وهو المشروع الفني الذي يجمعه مع الشاعرة الفلسطينية ” دينا بسيسو ” باعثة مؤسسة ” Challenge To Change المؤمنة بالتحدي من أجل التغيير ” والداعمة والملهمة لعديد السيدات والفتيات في كامل تراب الوطن العربي من أجل تغيير المصير.
“دينا بسيسو “شاعرة فلسطينية رقيقة ترعرعت في البحرين وكبرت ونضجت تجربتها في أوروبا. لم يمنعها المجال المصرفي من أن تخوض غمار التجرية الشعرية وتنشغل بالقضية الفلسطينية، تلك التي يعتبرها عبد الرزاق حمودة بوصلة الفنّ الملتزم.
في جنيف كان اللقاء بين الشاعرة والفنان التشكيلي الحروفيّ عبد الرزاق حمودة، وهناك بدأ التفكير في مشروع مشترك حيث أعجب الخطاط بقصائد دينا وسُحرت الشاعرة بفنيات الخطاط التشكيلي في تحويل البيت الشعري إلى لوحة فنية تتمازج فيها الخطوط بالألوان والحروف بالكلمات تتصاعد دخانا من لوحاته لتعانق الألباب وتفتح في الإبداع بابا وألف باب.
وفي باب البحرين، بدأت جولاتهما رفقة الفنان الفوتوغرافي يوسف الزيرة حيث بدأ حمودة تحويل مختارات من شعر دينا بسيسو إلى لوحات تشكيلية في زواج رهيب مهيب بين الشعر وفنّ الخط، ومن جهته كان يوسف الزيرة يلتقط بعين الكاميرا التي لا تفارق عينه حالات التجلي الإبداعي لعبد الرزاق حمودة وهو يبحر مع شعر دينا في مرسمه المتنقّل من باب البحرين إلى تلال عالي الأثرية مرورا بقلعة عراد وطريق اللؤلؤ في المحرق وغيرها من الأماكن التي تختزل سحر البحرين ماضيا وحاضرا…
وبعد استكمال جزء كبير من لوحاته تركنا عبد الرزاق حمودة ليشدّ الرحال من جديد إلى جنيف، ولكن تواصلنا معه لم ينقطع فقد أسرنا بلوحاته كما أسرته مملكة البحرين بجمالها.
لقد ترجم حمودة عدداً من قصائد دينا بسيسو في لوحات خطية تشكيلية ومن المنتظر ان يعود حمودة إلى البحرين في نهاية عام 2021م لإقامة معرض خاص بهذا المشروع الفني والاحتفال بنشر كتاب / لوحات ومشاهدة الفلم الوثائقي التصويري الذي اشتغل عليه يوسف الزيرة.
في انتظار ذلك لك منّا التحية عبد الرزاق.. ننتظرك في لقاء مطوّل في ديسمبر القادم.