خاطرة “غربال الروح ” بقلم الأستاذة آمنة باشا

آمنة باشا

أنوار جامعية نيوز / بقلم آمنة باشا استاذة الادب العربي

كم جميل أن يقف الإنسان يوما متأمّلا حياته، ناظرا إليها بشفافيّة وعمق، فيرصد أخطاءه حينا، ويفخر بإنجازات السنين الطوال حينا آخر.. تلك السنوات التي قضاها في عالم البشر، فعقد خلالها علاقات مختلفة مع أناس طال معهم البقاء أو قصر، فاستوطنوا القلب، حتّى كأنهم منه، وعَمَرُوهُ ولم يُفارِقوه ولن يُفارقوه ما عاشوا، وإنْ باعدت بينهم المسافات، وشواغل الدنيا والأزمات.. ستبقى ذكراهم خالدة كسنفونية عذبة، كصوت فيروز، كفنجان قهوة الصباح والمساء… يُغمضون أعينهم في أي وقت فيَرَونَهم بقلوبهم، ويعانقون ذكرياتهم بصمت السنين ويبتسمون رغم الإرهاق والضنى والحنين… ما أجمل هؤلاء الاستثنائيّين الذين لن يفارقوهم حتّى لو فارقت أرواحهم الوجود…

   وآخرون التقوْهم صدفة ودون موعد، فاقتحموا حياتهم واستنزفوا قلوبهم، وابتزّوهم عاطفيا… ثم اختفوا دون مقدّمات، وكأنّ القدر أراد اختبار صبرهم، أو كأنّها الحياة وقد كشّرت عن أنيابها باحثة عن فريسة ضعيفة خطأها الوحيد أنها أعطت الأمان للأيام، وظنّت أنّها ستتركها تعيش بسلام، فأهدتها بشرا لا يشبهون البشر، بشرا دون باء… إنّهم قراصنة العواطف والأحاسيس، بشر لا يعرفون سوى الإيذاء، ولا يفكرون إلا في مصالحهم، بل لعلّهم شرذمة من الساديّين الذين يتمتعون بوجع الآخرين… وأن تجعلنا الحياة بين أيادي هؤلاء فذلك ابتلاء لا نجاة لنا منه إلا بالتوكل على الله؛ لأنه الوحيد الذي يرأف بعباده، ويعلم كيف يحميهم من ضعفهم وحتى من طيبة قلوبهم أحيانا، وحينها علينا أن نعتذر لأنفسنا لأنّها تحمّلت من لا يستحقّون غير البتر الذي يليق بكل علاقة يمكن أن تسمّم حياتنا…

  وتمرّ السّنون بين مدّ وجزر، وتعثّر ووقوف.. ونبقى نتألم حتى ننضج. وأنْ ننضج يعني أن نتقبّل أنه ليس شرطا البقاءُ أو الرحيلُ ليتواصل الودّ بين الناس… أن ننضج يعني أن نَميزَ بغربال الرّوح من يستطيع أن يسكن الروح ويستوطن أعماق القلب، ومن يسقط غير مأسوف عليه لا من غربال القلب فحسب بل ومن العين أيضا…

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket