“زمن الصورة” بقلم حسن السوداني

أنوار جامعية نيوز / حسن السوداني – تونس

حسن السوداني
حسن السوداني

لم يعد بإمكانك في هذا الزمن الجديد أن تحيا حياة طبيعية بلا صورة . كل الأماكن حولك تفرض عليك صورة معينة وأحيانا أكثر من صورة واحدة .

تجلس في الميترو فترى كهلا منهمكا على صورة يعدلها أو يعوضها بأخرى وفي الجوار فتاة رشيقة القوام تلبس نظارات دائرية تكور شفتيها الورديتين وتأخذ صورة سريعة تبعثها على الانستغرام والجميع تقريبا في العربة ينظر إلى هاتفه محملقا في صور من الافتراضي .

لقد أصبح العالم بصريا بدرجة أولى وولى عهد السماع والراديو والهاتف ذي السماعة وقصص الحب من الصوت الناعم والآهة المحرقة و ليالي أم كلثوم و شريط الكاسيت والمسجل ذي الازرار .. وحل عصر الصورة والإبهار البصري.

وفي السياسة أيضا صورة .. لقد أصبح النائب في البرلمان يشتغل على صورة المنقذ والمتكلم البارع
ورئيس الدولة على يطبع صورة المؤتمن على حياة البلد . والمعارض يحمل صورة الرفض و الغضب ليقدم نفسه كبديل للفريق .. وكلها تقريبا صور تصنعها مؤسسات اتصال خبيرة بالواقع العالمي و آخر صيحات الموضة والتقليعات الاجتماعية .. والجديد هو حساب الفايسبوك وانستغرام و تويتر و تلغرام ولينكدين و … يجب أن يتصفح الأنصار والأعداء صفحتك ليكتشفوا صورا و ذكريات و تصورا عاما لشخصك الجميل الضاحك ذي الاسنان البيضاء واللباس الأنيق والسيارة الفخمة وانت نصير المسحوقين . لقد ذهبت أيام اليساري الثائر ذي الاسنان الملوثة بسجائر رخيصة و الشعر المجعد الطويل والدنقري والجينز المهترئ من كثرة الاستعمال كذلك صورة الاسلامي ذي اللحية الطويلة والقميص والخف والسبحة قد اضمحلت ليصنع لنا الفايسبوك صورا مقربة إلى نجوم السينما والتولك شو . وليجعل الجميع أسرى آلة التصوير الحديثة في الهاتف المتطور . بوسائل تنقية للضوء و الالوان و المزاج.

هذه البدعة الجديدة سحرت رواد التواصل و المشتغلين في حقول الثقافة والإعلام وحتى الرياضة .. فلاعب كرة القدم يحرص على “لووك ‘ مميز كالمغني و نجم الاعلانات تماما وكذلك غالب الرياضيين. إن عالم الصورة عبارة عن ملصقة إعلانية ضخمة هي أداة تواصل بين الناس يزينها الفرد بما يشاء ولكنها تبقى ملصقة ورقية في عصر فقد ت فيه الصورة المصداقية والروح المحركة للفعل والمعنى الحقيقي للجمال لسهولة التقليد والنسخ وبسهولة عمليات التجميل و فنون التصوير والإخراج و الإبهار .. فلا يهم إن كان صوتك قبيحا إذا قدمت نفسك بصورة مثيرة ولا فارق أن كان تحصيلك العلمي متواضعا مادمت تحصد ملايين “اللايكات ” و لك عدد مهول من المتابعين . لقد أصبحت مؤثرا ويجب أن تجازى بالمال والشهرة و التقديم.. ذهبت قيم كنا نحسبها لن تذهب كالشرف والنخوة و الرجولة والعفة وجاءت قيم كالستار و سوبر ستار والانفلوينسر و اليوتوبر والانستغرامر.. و و و واضحة الكلام البذيء عاديا و السب والشتم ضروريا والتفاهة شرطا وكأنه العالم قد ضجر من قرون من البحث عن الحقيقة ليضرب عرض الحائط بالاديان والفلسفات و الفنون ليتركز في مربع واحد .. مربع الصورة فقط

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket