أنوار جامعية / مروى القنيشي
نادي الصحافة بالمركز الجامعي للفنون الدرامية والأنشطة الثقافية
ضمن قسم مسرح الحرية مسرحية “حكمة مجنونّ” لسجن برج العامري: رجال يتوقون إلى الحرّيّة ومجانين أذكياء يفضحون المستور
تتواصل عروض مسرح الحريّة لليوم الثّالث على التّوالي في إطار الدورة 23 لأيام قرطاج المسرحية ورحلة مشاهدتنا اليوم حطت الرحال بمسرح مدار قرطاج على الساعة الثانية عشرة بعد الزوال لمشاهدة عرض مسرحيّة ” حكمة مجنون” تقديم سجن برج العامري على.
عرض بهيج فيه روح الفكاهة المتخمّرة بالألم .طول المسرحيّة لايتجاوز السّاعة إلاّ ربع إلاّ انّها ناضحة بالمصداقيّة و الواقعيّة.
كلّ ما يتكلّم ممثّل و ينهي نصّه إلاّ و نجد ترحيبا و تفاعلا مع الجمهور.
بداية الحكاية رجل حكيم يقدّم رجالا مطحونين وقع تغطيتهم برداء أبيض لتخليصهم من أوجاعهم السّاكنة في كلّ واحد فيهم.
السّينوغرافيا مستمدّة من الواقع التّلاعب باللّونين الأزرق والأحمر . الأصوات العالية أحيانا لصدمة الجمهور ثمّ الأصوات الخافتة للاندماج والتّفاعل مع الأداء المسرحي.
ستّة رجال كلّ يحكي حكايته بطريقته الخاصّة هي “هبلة” أو ” تخلبيزة” مثلما سمّي العرض مجانين أذكياء فضحوا المستور و توغّلوا في الأطماع السياسيّة و الفاسدين.
الرّجل الأوّل هو الحكيم و البهلوان و” العروس” دون “عروسه” هو الإنسان المفكّر الشّامخ في مشيته والقادر على التّأثير في الآخرين.
الرّجل الثّاني يبحث عن الخبزة ويتشقلب في الفضاء فيسقط و يعود للوقوف عديد المرّات ليخبرنا أنّ ” الخبزة مرّة” في بلد لا يستمع فيه إلى شبابه الّذي اختار الجنون ملاذا.
أمّا الرّجل الثّالث هو الفنّان الرّاقص الّذي يرغب قي تحرير نفسه و يطير مثل كلّ العصافير إلاّ أنّه فنّان حبيس ذاته لا يستطيع التمرّد ولا الخروج عن السّرب.
الرّجل الرّابع هو الحالم بالتطوّر يقود سيّارته الخياليّة راغبا في التقدّم.إلاّ أنّ موارده الذّهنيّة و الجسمانيّة تخونه فينشد الحريّة و التّحليق عاليا مثل بقيّة المجانين الّذين معه.
الرّجل الخامس خيّاط يقول و يعيد “روبة” طولها مائة و عشرون سنتيمترا .حدّثنا عن “البوس” المرصوص كقصيدة الأديب التّونسي “علي الدّوعاجي” عن أنواع القبل و اختلاف مصادرها .
فأحببنا صاحب “الروبة” و حبّه لمهنته و تماهينا مع قبلاته الموجّهة لنا و خلجاته النفسيّة المليئة بالمحبّة.
الرّجل السّادس و الأخير هو المعلّم الّذي درّس في الصّحاري والجبال التّونسيّة .فأرهقه الطّباشير المكتوب على الصبّورة و ابيضّ شعره ولم يصل إلى مبتغاه في أن يجعل شباب التّسعينيّات
يصلون إلى توق النّجاة. ثلاثة وعشرون سنة من الدّكتاتوريّة والخوف لم يكن فيها التّلميذ إلاّ صورة باهتة لواقع مرير تفاقم مع الأيّام.
مسرحيّة عبّرت عن وجود الغربان أينما نذهب.إلاّ أنّ البهلوان وصوت العصافير لازالت متواجدة. بالغناء والموسيقى و روح الشّباب تنبض أحاسيس سجناء الحريّة الّذين عبّروا بقوّة اللّحظة عن مدى استماعهم لذواتهم واستخراج أحسن ما لديهم.
المسرح علاج فنّي لكلّ من يخلص إليه و يتفانى في العطاء من أجله.