أنوار جامعية نيوز / آمنة باشا
عندما تزهر الروح
يقول محمود درويش” شيء ما ينقصني ربما أمل، ربما نسيان ربما صديق… ربما أنا…”
لقد لخص محمود درويش ما يمكن أن يمر به الانسان في لحظات التيه في أثناء هذه الحياة؛ حيث يتوقف عقله عن التفسير، بل لعله يفسر لكن قلبه يرفض القبول والتسليم بحجة المنطق، ومن هنا يبدأ الصراع بين المنطق واللا منطق، وتبدأ أقسى غربة يمكن أن يعيشها الانسان مع ذاته… وكيف لا تكون الأقسى وهي التي تجعل روحه غريبة عن الجسد الذي تسكنه لأنها وببساطة صدّقت للحظة أنّ هذه الدنيا دار هناء وسعادة ولم تدرك أنها دار شقاء إلا حين صفعتها الأحزان، وذاقت مرارة الأيام، وعاشرت من بني البشر ألوانا وأشكالا وأعطتهم كل ما ملكت من محبة وإخلاص.
وفي يوم، ودون مقدمات سقطت الاقنعة، فبانت لها وجوه غريبة كأن لم تعرفها من قبل، فكانت الصدمة مؤلمة لأنها أصابت روحا أعطت بلا حدود، ولم تجن غير الخذلان، صدمة قوضت كل المبادئ التي كانت تظن لأعوام أنها لن تقوض.. وهل يختلف اثنان حول أهمية الصدق والوفاء مثلا في العلاقات الإنسانية أيّا كانت؟ وهل يختلف البشر من أقصى الكرة الأرضية الى أدناها حول بشاعة الخيانة والغدر والانتهازية والكذب و…..؟
أبدا فمثل هذه المفاهيم وحدت الناس منذ أقدم العصور رغم تباين لغاتهم ودياناتهم وعاداتهم…
لذا كيف لروح عابرة في هذه الحياة ان تستوعب أنّ في الدنيا بشرا متلونين، متبدلين لا مرجعية لهم ولا مبادئ؟ وهي التي نشأت وارتوت من ينابيع تضخ قيما، هي التي تعلمت أنّ أفضل ما يستطيع المرء فعله هو أن يعبر هذه الحياة عبورا كريما، فلا يؤذي نفسا مهما حدث، ولا يكسر قلبا مهما قسا ولا يُدمِعُ عينا يوما، ولا يجرح روحا أينما كانت، ولا يقتل حلما مهما كان بسيطا، ولا يطفئ بسمة على وجه بريء..، هدفه من كل ذلك أن يترك الأثر الطيب والذكر الحسن، وشعاره قول جلال الدين الرومي” لا تؤذ قلبا رق لك يوما فلحظات الود لها عليك الف حق وحق”
لكن يبدو أنه بقدر ما يكون الانسان طيبا، يكون الخذلان نصيبه. ولعلّ المأساة تكمن هناك، في تلك النقطة التي لا يلتقي فيها الخطان وإن كانا متوازييْن وطريقهما واحد لأن الأهم والابقى هو تناغم الأرواح لا القلوب فحسب، والروح لا تألف روحا إلا اذا تشابهت معها في نفس المبادئ والقيم.
لذا يتأذى دائما من كانت قلوبهم طيبة ووجوههم واحدة ولا يتلوّنون…
لكن ورغم هذا العالم الذي يضج بالتعب بالألم والنفاق يجد هؤلاء مساحة من الأمل يطلون من خلالها على أشباههم، ويبعث فيهم الله سبحانه من القوة ما يجعلهم قادرين على مواصلة حياتهم بنفس المبادئ التي زادهم الخذلان تمسكا بها، لأنهم تعلموا الدرس جيدا وأدركوا أن “مأساة الحياة ليست الموت، ولكن ما ندعه يموت بداخلنا ونحن أحياء”.
لذا لا يجب أن تموت قيمنا، ولا يجب أن تُغتال مبادئنا السامية مهما تغير العالم حولنا فــ” عندما تزهر الروح لا يهمها تعاقب الفصول” على حد تعبير جلال الدين الرومي.