أنوار جامعية نيوز / سليم مصطفى بودبوس
فلسطين … ويخجل القلم
منذ اندلاع الأحداث الدامية في حيّ الشيخ جرّاح بالقدس المحتلّة أواخر الشهر الفضيل، ومع تطوّر الأوضاع التي صارت عدوانا على الآمنين في ربوع فلسطين، وأنا أتحاشى مسك القلم وكتابة أيّ موضوع بالرغم من كثرة قضايانا واهتماماتنا..
في لهيب هذه التطوّرات الدراماتيكية المأساوية أُصيبَ الكثير منا بالوجوم، وأمام مشاهد القصف والأشلاء والأموات… تلاشت أفكارنا، وتهاوت قوانا الذهنية التي لم تستوعب ما يجري أمام مرأى العالمين.. وحتّى أقلامنا صارت تخجل حين تكتب غير ما يجب أن تكتب.
معركة في حيّ الشيخ جرّاح على عين المكان تفجرت على خلفية قضية إخلاء المنازل من الفلسطينيين ثمّ اقتحام قوات إسرائيلية لساحات المسجد الأقصى، تطوّرت بعد ذلك حربا وعدوانا على الفلسطينيين، فهجوما وهجوما مضادّا…حرب لا يستوي فيها الخصمان، كلّ يوم هي في شأن… على الأرض دفاع عن المقدسات، وفي الكواليس مواقف دون قرارات… حربٌ مصابنا فيها جلل، وشهداؤها هم أشقاؤنا وإخوتنا؛ فكيف يحلو لك الإفطار وأنت ترى مسرى النبي يدنّس ويمنع المصلّون من الصلاة فيه؟ وكيف ترسم البسمة على شفتيك وأنت تقرأ في الشريط الإخباري أرقام ضحايا العدوان وقد تعاظمت بين شهيد وجريح؟ بل كيف يحلو العيد وأنت تشاهد يوميا الأطفال والشيوخ والنساء تحت القصف والدمار أشلاء لا أحياء؟
صحيح أنّ الماكينة الإعلامية حاولت منذ عقود تصوير مشهد القصف والدمار والتقتيل والتهجير والاعتداء والتهديم في فلسطين على أنه حدث عادي، وذلك من خلال إغراق وسائل الإعلام السمعية البصرية بهذه المشاهد كي يتحوّل الحدث العظيم والمصاب الخطير إلى واقع يومي لا يحرك ساكنا في المشاهدين، ولا تدمع له عين ولا ترقّ له حتّى النفوس الضعيفة ولو بالقدر اليسير…
لكن هيهات؛ لم يكن ذلك إلا تخزينا لمشاعر السخط والغضب… وتأجيلا لما هو آت… لقد خرجت الجماهير في العديد من الدول العربية والإسلامية خلال الأيام الماضية لتعبّر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وتعاطفها مع ضحايا الدمار الهمجيّ الذي سببه العدوان الإسرائيلي على الآمنين في مساكنهم. كما خرجت العديد من الفعاليات في عواصم غربية عديدة لتعبر عن رفضها للعدوان على الأطفال والنساء والشيوخ ولتطالب بحق الفلسطينيين في أرضهم ومقدساتهم..
واشتعلت صفحات الفايس بوك تضامنا مع هؤلاء الأبرياء في القدس والضفة الغربية وغزّة وغيرها من مدن فلسطين وقراها.. وشرعت إدارة فايس بوك في إغلاق بعض الصفحات أو التهديد بالمنع من النشر مستقبلا.. وصارت المعارك على أكثر من واجهة ونحو أكثر من هدف.
وفي هذا الخضّم والمخاض العسير، ومثلما كان عليه الحال في انتفاضة الأقصى الأولى أو الثانية وفي غيرها من المنعرجات الكبرى في تاريخ القضية الفلسطينية، يتأكد أمران لا ثالث لهما:
- تظلّ القضية الفلسطينية بوصلة الشعب العربي ومسراه الرئيسي ومعراجه الأبديّ؛ فالكل صار يعلم أنّ الدولة الوحيدة التي تمارس الاستعمار الاستيطاني هي إسرائيل، والكل يعلم أنه في زمن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها شعب واحد لا يقرر مصيره هو الشعب الفلسطيني، والكل يعلم أنّ هذه الحالة الفريدة العجيبة ستظل وصمة عار على جبين الدهر وعلى جدران الأمم المتحدة التي بقيت كل قراراتها ضد إسرائيل حبرا على ورق. لذا ستظلّ هذه القضية المحْرار الحقيقي لِوعي ويقظة الشعب العربي، وستظلّ همّا ثقيلا على نفوسنا حتى تتحرر فلسطين.
- سنظلّ نحن العرب والمسلمون طول حياتنا مدينين للشعب الفلسطيني المرابط والمدافع عن مقدّساتنا. هذا الشعب الذي ما فارق الأقصى ولا باع الديار ولا ترك البلاد، هذا الشعب العظيم الذي تعلّق بالقدس كما شجرة الزيتون بالأرض، هذا الشعب الذي دوما يذكّرنا أننا على هامش التاريخ وهو من يصنع التاريخ.
فطوبى لك أيّها الشعب الفلسطيني المرابط على أسوار القدس الشريف، طوبى لك أيها الشعب الأبيّ.