أنوار حامعية حافظ خليفة يكتب من موريطانيا
المخرج حافظ خليفة يكتب عن تجربته في اخراج ملحمة “منت البار ” التراثية بصحراء موريطانيا
الجزء الثالث
كرم الضيافة وعمق العقلية الصحراوي
تعرضت في الجزء الأول من تجربتي في اخراج ملحمة “منت البار” بصحراء موريطانيا الى الإطار الزماني والمكاني والتاريخي وفي الجزء الثاني تطرقت إلى خصوصية العمل من حيث الموضوع والايقاع والتكوين والاخراج وأهمية الصلاة أما في هذا الجزء الذي اختتم به فترة الاعداد والتكوين قبل الانطلاق الى الشارقة بالامارات العربية المتحدة قصد المشاركة في فعاليات الدورة 06 لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بمنطقة الكهيف بإمارة الشارقة من 9 إلى 13 ديسمبر 2022 من خلال ملحمة “منت البار”
وحدة_العرض:بصحراء نواكشوط المتاخمة للعاصمة ببضع كيلومترات،و بمكان ساحر يحيلك مباشرة إلى هندسة معمارية للمسارح الاغريقية و الرومانية و قد.نحتتها أيادي الطبيعة ،كانت تماريننا اليومية كان الجزء المهم في العمل هو خلق منطق للعلاقات و المقاربة مع تحرك الممثلين الذي يبدو صعبا على الرمال الكثيفة فالارضية ليست مؤهلة او مهيأة للمشي فما بالك للجري و التنقل من اليمين إلى اليسار او العكس، او حتى من ف وق إلى تحت او العكس بمؤخرة الساحة،و لكن بنية الممثلين الجسدية الشابة،جعلتهم يقفزون و يتحركون مثل الغزلان ناهيك عن خبرتهم الواسعة بطرق المشي على رمال الصحراء.
لقد كان التساؤل الأساسي كيف يمكن أن نخلق من هذا العرض مادة للفرجة و الاثارة بمناخهم الهادئ و مزاجهم المطمئن،كيف يمكن أن نولد هذا الصراع بالعرض لشد الانتباه و للحفاظ على كل مكوناته دون أن نمس من هوية العرض ،و التي انبنت اساسا على البصمة التراثية ،كيف يمكن أن نجعل من شخصية منت البار نموذجا او لنقل شيء قابل للتأويل.
السلوك:لم أكن في نظرهم مجرد مدرب او مشرف او مخرج آت من تونس، كي يفيد بما يستطيع للمساعدة على بناء عمل فرجوي بايسر السبل و اقومها،بل كنت ضيفا ، إنه عمق العقلية الصحراوية،و مهما تحاول أن تكون محترفا في سلوكك فإنهم يغمرونك بكل هذا التعامل الإنساني المرهف في الرعاية و الاهتمام ،لم يكن الامر يتطلب كثيرا من التعقيد، وجودهم معي في كل تفاصيل اليوم ،شرح سلي و مراد لكل تفصيل من الحياة العامة،كل المواعيد سهلة التحديد و كل الزيارات سهلة الاعداد.و التنفيذ دون تكلف،فقط اترك نفسك لهم،و انت تصبح جزء منهم.
الكرم_و_الضيافة:لقد كان الاهتمام متجاوزا للواجب المهني ،انه واجب الضيافة حتى و إن أردت شراء شيء شخصي فهم يدفعون حتى عدت أخشى او استحي أن اطلب شيئا..كم قلت لسلي لماذا كل هذا العناء؟اتركوني ادفع رجاء،فاجابني :لا تحاول،انك بهذا تهينهم.
تذكرت اصدقائي بالعراق خاصة ببغداد و كربلاء و الحلة و البصرة و الكرم العراقي الذي لم أكن اظن انه لن يتفوق عليه كرم شعب آخر،هؤلاء هم أبناء الصحراء ،ليسوا أسطورة لزمن غابر بل حقيقة موجودة بنواكشوط،شباب يحبك لأنك ضيف ثم يحترمك لأنك معلم او عموما صاحب معرفة و دراية لشيء يحبونه ،انه المسرح هذا العالم المجهول لديهم و الذي يجمعهم و يحلق بهم إلى اعالي الاحلام.
الوداع:بعد نهاية التمارين لهذا اليوم شكرتهم لكل هاته الايام الممتعة الذي عشتها معهم،و بدؤوا بالثناء على قدمته لهم جميعا خلال هاته الفترة التي سنواصلها بالشارقة خلال أيام معدودة ،أين سنلتقي و نتحول من مرحلة الاعداد إلى مرحلة الانجاز و العرض بمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي من 9 إلى 13 ديسمبر 2022..هناك سيكونون مع اعتى التجارب الملحمية من بلدان عربية لها تاريخها الحافل من التجربة و الخبرة في هذا المجال كمصر و المغرب مع الإمارات طبعا التي خطت بالسنوات الاخيرة خطوات كبيرة في تطور التجربة المسرحية الملحمية و الفرجوية.