أنوار جامعية نيوز / بقلم سليم بدبوس البحرين
إلى أبناء بلادي: نعم نحن (الوافدون)..
في بلادي.. في زمن حقيقته نسبيّة، والرّأي فيه حرّ، والخبر يُجاهدُ أن يكون مقدّسا.. في زمن غدا المواطن فيه إعلاميا بامتياز، ورأيه يصل إلى كلّ متابعيه في ثوان دون أن يلقي عليه نظرة نقد أو مراجعة قبل نشره كما تعلّمنا في دروس التعبير ونحن صغار.. في زمن لا تقرأ فيه قولا فاصلا، ولا تسمع قرارا واضحا ولا ترى فيه إجراءً رادعا من الكبار …
في بلادي.. في هكذا زمنٍ، زِدْ عليه قليلا من قلّة الصبر على القضاء، وانحسار الحكمة رغم انحسار الوباء.. في بلادي، في هكذا زمن لك أن تسمع أصواتا تنادي بملء فم الكَلِمِ (أغلقوا الحدود) وأنقذونا، حتّى لا تعود إلينا الكورونا،(لا لعودة الوافدين) احمونا احمونا.. فهؤلاء (حالات مستوردة)، فرّت من قسورة المهجر لتعود ومعها ستعود العدوى من جديد، بعد أن كانت عودتهم إلينا عيدا وألف عيد.. (فلا مرحبا بكم يا أبناء تونس) من جديد… و(لا أهلا بكم بين أهاليكم وصغاركم.. ولا سهلا بكم في وطنكم ودياركم )
في بلادي.. قد تسمع كلّ شيء.. قد تسمع أكثر من هذا أو يقلّ، أو يزيد.. فلا أقول سوى: “قولكم عسل على قلوبنا، موسيقى ترقّ لها آذاننا، ألحان تهيم بها أفئدتنا”.. فما أجملكم في غَيْرَتِكم على بلادكم.. أعني بلادنا.. ما أعذب أصواتَكم وأنتم تدافعون عن انتصاركم المجيد على الوباء! ولربّما انتصارنا .
كيف سنداري سوءاتنا بعد إذْ فكّرنا في العودة هذا الصيف إلى بلادكم.. أعني بلادنا!…
ما أقلّ حكمتنا حين فكّرنا في العودة هذا الصيف إلى بلادنا! .. ما أقسى قلوبنا حين اشتقنا إلى أولادنا وأمّهاتنا وبعضُنا لم يكحّل عينيه برؤياهم منذ سنة أو يزيد.. ما أشدّ أنانيّتنا حين حنَّ القلب ودعانا الشّوق إلى شجرة الزيتون نتفيّأ ظلالها!.. ومشموم الياسمين يغازل بعبيره أنوفنا! ما أعظم جريرتنا حين قطعنا تذاكرنا، وقطعنا معها عهدا على أنفسنا أن لا نؤجل زيارتنا بالرغم ممّا قد يحفّها من مخاطر السفر! ما أسوأ فعلتنا!.. فكيف سنداري سوءاتنا بعد إذْ فكّرنا في العودة هذا الصيف إلى بلادكم.. أعني بلادنا!…
نحن، “الوافدين”، في مسمّانا الجديد، وقد كنا من قبل المهاجرين، أو أبناء الجالية التونسية بالخارج.
نحن، “الوافدين”، في مسمّانا الجديد، وقد كنا من قبل المهاجرين، أو أبناء الجالية التونسية بالخارج.. أو أكثر من هذا من عبارات الحب والتبجيل.. نحن وقد أصبحنا عند البعض في بلادنا (وافدين) وفي الغربة بطبعنا في “بلاد الرّومي” أو في بلاد العرب، أو غيرها بطبعنا وافدين، نحن والحال هذه سنبقى لأرضنا مخلصين، وعلى سلامتها حريصين، وإن جرت من البعض أخطاء فهي أخطاء فرديّة لا يتحمّل مسؤوليتها كل (الوافدين) إذْ لا تزر وازرة وزر أخرى… بل ابحثوا في الأسباب والمسببات التي جعلت هذا يغادر مقر الحجر الإجباري في الفنادق برعاية أمنية، وذاك يتدخّل من أجله مسؤول جريء رفيع المستوى فيخرج من يشاء دون أن يدخل “الكرنتين”، والقائمة تطول ولا أقول سوى “لا حول ولا وقوة إلآ بالله”.
لن نتخلى عن زيارتنا؛ لأطفالنا الرضّع،
وآبائنا الركّع، ولعيون أمهاتنا التي تدمع..
في بلادي، نحن (الحالات المستوردة).. يا من صدحتم بهذه الأوصاف، ونعتمونا بها دون عدل أو إنصاف.. لا نستجديكم وطننا، لأنّ الوطن في قلوبنا يعيش ويزهر… لن ننتظر إذنَكم لنا لأنّ قلوبنا هي التي تأذن لنا وتلحّ علينا أن نعود لا كل سنة مرة، وإنما كل يوم مرة وألف مرة..، لن نتخلى عن زيارتنا؛ لأطفالنا الرضّع، وآبائنا الركّع، ولعيون أمهاتنا التي تدمع.. لن نسمع لأصواتكم الشاذة، ولن نفكّر في آرائكم الغريبة السامّة، ولن تخذلنا أقوالكم الفذّة الغريبة.. ففي بلادي في هكذا زمن سمعنا من عَليّةِ القوم ما هو أشدّ من هذا قسوة.. ورأينا من بناة الجمهورية الثانية والثالثة والرابعة… ما هو أدهى وأمرّ .. فلا عجب أن تقتحم آذاننا أصواتكم، وتتسرّب إلى حساباتنا ومواقع التواصل الاجتماعي آراءكم، فبئس ما قلتم وكتبتم! ولا نِعْمَ الرأي ما رأيتم وفكرتم!
نحن -الوافدين- قادمون، ولوطننا عاشقون، وبه في المهجر مفتخرون … فأهلا بنا في وطننا في كلّ آن وحين، رغم صوت بعض الناعقين.
نحن -الوافدين- قادمون، ولوطننا عاشقون، وبه في المهجر مفتخرون. نحن -الوافدين- قادمون ولأهلنا زائرون، وللوائح وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا منقادون، وبها عاملون، وعلى أمننا القومي حريصون، فأهلا بنا في وطننا في كلّ آن وحين، رغم صوت بعض الناعقين.