أنوار جامعية قراءة أسامة بن الحاج محمد
نادي الصحافة بالمركز الجامعي للفنون الد رامية والانشطة الثقافية
قراءة في عروض أيام قرطاج المسرحية “صور الحياة الغير مرئية وقضايا الإنسان الكونية والوطنية والاجتماعية “.
سبعة أيام كافية لمشاهدة 23 عرضا مسرحيا من ضمن 85 عرضا أثّث كامل أيام قرطاج المسرحية، وربما من محض الصدفة أن يوافق هذا العدد تاريخ المهرجان صاحب 23 دورة…لحظات سافرنا فيها بين أكثر من 7 قاعات للعروض، حيث كانت البداية مع عرض “أنا الملك” الذي تميز بنصه العربي الفصيح، ونقده اللاذع لطغاة زمانهم، ونجد في الضفّة الأخرى مسرحية “شوق” لقاء بعد فراق طويل، ورحيل دون موعد جديد.
“تائهون” عنوان مضمِّن لنداء يحرّك خيوط لعبة المجتمع التونسي وسياسة العبث في جميع المجالات…كما لم تغب الحرب بسوادها وشتاتها على خشبة قرطاج، فمسرحية “ثقوب سوداء” كشفت عن بشاعة الضياع والصراع من أجل البقاء، بحضور من يبحث عن إعادة البناء والإعمار باسم الحب…
أما بالنسبة إلى تسليط الأضواء وإسدال الستائر، فقد حضر العرض المسرحي “ضوء” حاملا في طيات نصه وآداء ممثليه دلائل تكشف عن بشاعة فئة من المجتمع التونسي، وجشع ما يدور داخل إطار العائلة في مرحلة أولى وعديد المواقع الأخرى.
وفي مواصلة لمسيرنا بين هذا الكشف وذاك نجد “المنفى” العمل الذي صِيغ بطريقة جديدة ميميّة مختلفة، يرى فيه المشاهد حضور الجسد البشري والدمى المتحركة، في توافق مع ما طرحه الموضب الركحي ومخرج العمل من مواضيع متعددة، على غرار الفساد والاختطاف و الهجرة غير النظامية.
وفي عودة بالزّمن بين الحاضر والماضي، نجد مسرحية “ولد الشريف” عمل اجتمعت فيه ثلاث شخصيات تسرد كل واحدة منهم قصصا بين الذاتي والموضوعي في علاقة وثيقة بينهم.
يقول الفصل الثامن من دستور الجمهورية التونسية “الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن” فصل وجدنا صداه في ثلاثة عروض مسرحية طاقمها الكامل شبابي دون سواه، أوّلهم عرض “عطارد” لمخرجه الشاب أوس إبراهيم الذي شكّل عمله إضافة للمهرجان، معانقا الاحترافية بعيدا عن الهواية ،هما ركحان أساسيان انبنى عليهما العرض، ركح مقتبس من أسطورة عطيل (لشكسبير) ومصيره وآخر يتصارع أفراده من أجل البقاء بين الفناء والوجود.
ثاني العروض مسرحية “صفقة دم” التي نسجها خيال خرّيج المعهد العالي للفن المسرحي الشاب غسان مرابط وأثثتها مجموعة من الممثلين ينتمون إلى نفس الصرح، رحلة تحول فيها حبيبان إلى عدوان بتخطيط مجموعة من الفضائيين متحكمين في كل خطواتهم ليخلق ذلك التواشب والنقيض داخل الشخصيتين، مع توظيف تقنيات جديدة على مستوى السّينوغرافيا.
“طرح شكبة” عمل شبابي ثالث أخرجه إيهاب عجرود قام على كلمة أساسية ربطت جلّ مشاهده، “مشكي” الكلمة المفتاح والتي تتحول معها الحكايات وتسرد معها الروايات داخل الحمام العصري، بإدارة سيدة تغلب على شخصيتها صفات العنف والنرجسية…
ويمكن لنا أن نتساءل هنا مع فاصل قصير في نفس الإطار ، إذا كان هذا ما طرحته الأعمال التونسية فما الذي تطرقت إليه بقية العروض المسرحية الأجنبيّة المقدّمة؟
في مستوى عال ولافت للأنظار وفي وصفنا للعرض الإيطالي “بروميثيوس” أيقونة أيام قرطاج المسرحية، فإنه لا يختلف اثنان عن اعتبار هذه المسرحية من الروائع العالمية، توازيا مع موضوعها الذي خدم الإنسانية جمعاء وآمن بالكونية والمساواة، مؤكدا عن مصير البشرية الجماعي إن لم يع كل فرد مسؤوليته تجاه الكون والطبيعة، مع أداء أقنع المتفرج وصورة شدت المتلقي.
وفي منحى ثاني من نفس الخط تأخذنا المسرحية البلجيكية “تقاطعات” إلى عالمها الخاص ،والتي كادت أن تكون مونولوغ لولا تدخل شخصية ثانية آخر العرض ،حكت فيها البطلة تاريخ والديها ورحلتها بينهما منذ الحرب العالمية الثانية، فكان العمل شبيها بالمسرح الروائي إن صح التعبير.
ومع نفس البلد (بلجيكا) وفي مسرحية أخرى شاهدنا عملا ناطقا باللغة العامية العراقية، قدمه ممثليْن عراقييْن صوّرا لنا من خلال أداءهما بشاعة العنف والظلم الذي تمارسه الجماعات الإرهابية المسلحة ، وهيمنتهم على الساحة انطلاقا من زمن الرئيس صدّام حسين ،معتمدين في تعابيرهم الركحية تقنية عرض الشاشة الكبيرة والحديث من داخل الكواليس.
وهذا لا يختلف كثيرا عن عرض “لخرين” العرض الإيطالي الثاني والذي شابه جمهورية الخوف في تقنياتها، واختلف معها في موضوعه إذ إستطاع كاتب نصه شدّ المُشاهد مازجا بين اللغة الإيطالية والتونسية، في حوار مباشر يشرّك الجمهور في ثنايا العمل الذي تحدث بدوره عن ضرورة حضور الآخر وتواجده والتفاعل معه دون إقصاء مهما كان مختلفا “عرقيا، دينيا أو فكريا”…
وفي مواصلة لرحلة المواكبة والمشاهدة بحثا عن الجديد في عروض ضيوف المهرجان، لا يفوتنا الحديث عن مسرحية “لغم أرضي” لفلسطين، وَهْم الانفجار القاتل وخفايا مذكّرات زوجين داخل دائرة لا يمكن تجاوزها، مع نصّ حوّل العمل إلى درس ورسائل مضمونة الوصول في وقت قياسي عكس ما دأب عليه مخرج المسرحية السورية “شمس ومجد” ،الذي دام أكثر من ثلاث ساعات ناقلا لنا أجواء شباب دمشق بين العمل والدراسة، وما يربطهم من علاقاتِ صداقة ومن غراميات تذكّرنا بمسلسلات تلفزيون الدراما السورية، فكان العمل بذلك منحازا للشّاشة في مستوى أقل مما تطلبه خشبة المسرح…
برتقال هو ذهب للفقراء وصمت أبلغ من الكلام، في رسالة من رجل ميت وطرح لأسئلة إجابتها في البحث المتواصل …أفكار ومعان رسائل عميقة، وأحلام تتناثرها العواصف الهوجاء نجدها في عرض “حدائق الأسرار “للمملكة المغربية، صاحبة الجائزة الكبرى لأيام قرطاج المسرحية.
وقبل أن ننهي رحلتنا بعد الغوص في عذابات دروب عروض العالم، نعود إلى إنتاجاتنا المسرحية التونسية، لنختم بها رحلتنا اللامتناهية على أمل اللقاء مع أنفاس الخشبة من جديد ،فلعرض “غدا وهناك” بعد فلسفي ورسائل مشفرة يدركها من تكبد عناء التفكير والتدقيق ،ولمسرحية “العمى” جماليات ركحية وتحركات جسدية غلبت المنطوق وأسهمت في خلق ديناميكية للعمل، كذلك هذا ما وجدناه في مسرحية “القارعة” التي عملت على البحث عن الحقيقة قصد التغيير والتجديد محددة لنفسها سياقا زمانيا ومكانيا…
“الصندوق الأسود” عنوان ضمّن شخصيات تعيش منافسة على متن قارب للنجاة، يحاول كل منهم السيطرة والحصول على الصندوق نظرا لأهميته، وما يحويه من معلومات تكشف خفايا دول وتفضح مؤامرات أخرى…