أنوار جامعية نيوز / كتب حافظ الشتيوي
احتفالا ببلوغه السنة السابعة بعد الثلاثين ، نشر الاستاذ والمخرج المسرحي عماد المي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفايس بوك خاطرة مؤثرة جدا استفزتني شخصيا وقراتها عديد المرات حتى رأيتني فيها ، فقد باح من خلالها عما اختلج في صدره من قلق وجودي وحيرة مثقف إزاء عالم صار معقدا وبالرغم من كل ذلك ما يزال الحلم داخله قائما والاصرار دائما مصرا .
وكشف في نفس الوقت عن رقة مشاعر وشاعرية في الكتابة جنّح من خلالها مع ملائكة الأحاسيس والذكريات
فكل سنة يا صديقي وأنت طيب …
وكل سنة وانت مبدع …
وكل سنة وانت مستفز …
كبرت يا أبي … وصرت أشبهك “
لقد ﻛﺒﺮﺕ وصرت نفسي بحلوّها ومرّها يا أبي..
ﺻﺮﺕ ﺃنام متأخرا…كثير التقلّب في الفراش …
صرت أستيقظ باكرا…
صار الواقع واقعيا أكثر من اللازم يا أبي…
ﺻﺎﺭ الصمت يخنقني…وﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﺮﻫﻘﻨﻲ …
كبرت يا أبي وصرت أطبخ وحدي وآكل وحدي…
أغسل أدباشي وحدي…
وﺃﻗﺮﺃ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺣﺪﻱ …
أفرح وحدي وأغضب وحدي…
أعيش وأنام وحدي…
لقد صرت أشبهك يا أبي ها أنا لا أبكي أمام الناس مهما حدث …
لا أبكي أمامهم علنا…أبتلع ريقي وأواصل طريقي…ولا أجاهر بحبي….
يجب أن أكون رجلا قويا مثلما أوصيتني…
ﺃﺑﻜﻲ ﺑﺼﻤﺖ يا أبي ناظرا لسقف بيتي ﻭﺣﺪﻱ ﻟﻮﺣﺪﻱ ..
كعنكبوت داخل نسيجه الرقيق…
ﻛﺒﺮﺕ ﻳﺎ ﺃبي ﻭﺻﺎﺭ الضجيج يزعجني والصخب يؤلمني…
وحفلات الزواج تشعرني بالضيق والكذب والجنائز بالنفاق…
ﺻﺎﺭ ﺃﺻﺪقائي أقل بكثير…
(صدقت جدتي رحمها الله في قولها: كثرة الصُوحاب اتّلف خيارهم وفي الكوازي عندك ما توازي)
إذا كنت قويا فهم كُثر…وغير ذلك فهم مثل الدر…
ﺻﺮﺕ ﺃﺣﺐ ﺍﻟﻬﺪﻭﺀ والوحدة….
ﻛﺒﺮﺕ ﻳﺎ ﺃبي ﻭﺻﺎﺭ ﻻ ﻳﻬﻤﻨﻲ النوم والراحة ..
ﻣﺎ ﻋﺪﺕ ذلك الذي ينام ليحلم…
ولكنني أعدك أنني سأواصل الحلم ما حييت….
لقد ﺻﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﻘّﺪا مفبركا يا أبي ..
ﻭصار البسيط والجميل النقي شيئا تافها…
ﺻﺎﺭ ﺍﻟﻜﻞ يلعب …
ﻭﻣﺎ ﻋﺪﺕ ﺃﻋﺮﻑ اللعب …
ﺻﺎﺭﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻠﻮّنة بألوان البؤس…
ﺻﺎﺭت الشوارع مقرفة تدعو للغثيان والقيء ..
ﻭالجميع يا أبي مغموم مهموم …
بائس كئيب…
حتى الحليب ما عاد حليبا…والزبيب ما عاد زبيبا …
لا شئ على طبيعته يا أبي….كل شئ مزيفٌ حتى النخاع…
لا الحب حبا…ولا الصدق صدقا…
لا الرجولة رجولة ولا الأنوثة أنوثة…
ولا الجمال جمالا…ولا القبح في قبحه قبحا..
لقد صار كل شئ مشوّها…بشكل مخيف….
حتى أنني صرت أخاف من نفسي على نفسي وخوفي من القادمِ أكثر يا أبي….
ﺻﺮﺕ ﺍﺷﺘﺎﻕ ﺍﻟﺤﺐ النقي ﺑﻼ ﻣﺼﻠﺤﺔ …
والصدق والنقد بلا ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻣُﻜﻠِﻔﺔ …
لقد ﻛﺒﺮﺕ ﺟﺪﺍ ….
ولم ﻳﻌﺪ هذا ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ جميلا رحبا…يتّسع الجميع كما ظننته صغيرا …
ﻛﺒﺮﺕ وتعبت يا أبي لكنني مازلت أقاوم وكلّي أمل في الشمس التي تشرق غدا…
ما دام للشروق رفيق اسمه الغروب….
2021/09/28
عماد المي
عن نفسي وأشياء أخرى