أنوار جامعية نيوز/ حافظ الشتيوي
كلمات ليست كالكلمات في كتاب “أنثى التراتيل ” للكاتبة ربيعة الفرشيشي
قدمت مؤخرا الكاتبة والروائية ربيعة الفرشيشي كتابها الجديد ” أنثى التراتيل ” بالمكتبة العمومية بالوردية برئاسة الدكتور جلول عزونة وبحضور كلّ من الدكتورة نجلاء بن عمار والدكتور الطاهر المناعي والأساتذة طارق الغول وشافية فرج وفتحية بروري ونزيهة بن معمر وماهر الجمازي وحياة حمدي وفتحي السايحي و شهوب بن محمودة وفاخر بن سعيد وغيرهم حيث قدم هذه التراتيل الدكتور فتحي بن معمر
ويعتبر هذا الاصدار الاخير للكاتبة ربيعة الفرشيشي همسات ابداعية او تراتيل انثوية تغوص في الذات وفي الذاكرة تتجلى فيه انثى التراتيل…عارية الا من حروفها وفي هذا الاطار كتب الرسام العراقي حيدر الشويلي نصا يقطر رقة وتوهجا أشاطره الرأي في كل حرف وكلمة
يقول حيدر الشويلي :
نصوص الشاعرة الساردة الروائية ربيعة الفرشيشي لها نكهة خاصة وذوق رفيع لا يتذوقها الا الذي أدمن على تكرار قراءتها.
اليوم أقدم لأحبتنا في تونس الحبيبة قراءة بسيطة لنص ذات فجر ولتعذرني مبدعتنا الحبيبة والقراء ان كنت قد بالغت في المصارحة ذلك اني اعتقد ان المصارحة هي ابلغ انواع النقد ولا شيء أبغض على النفس من الانتقاد، إذ لا تسكر النفس بخمر كالثناء. والادب الرفيع لن ينمو الا بالنقد، لأنه يفتح أعيننا على أخطائنا فالأديب كأي انسان لا يمتلك العصمة عن الخطأ ولا يعني ان قراءتي هذه هي من نوع النقد الادبي المتداول.
ذات فجر بوحُ ذاتٍ بلُغةٍ رقيقةٍ حساسةٍ فاض النص بالرقة والروعة و رهافة المشاعر و صدقها ، وقدمت صورةً لعاشقةٍ تمكن منها العشق فأصبحت لا ترى لنفسها كياناً أو وجوداً إلا في وجود هذا المحبوب “و انا طفلة… لم ابلغ الخامسة بعد… كنت استيقظ… الثانية فجرا… هي عادتي الى الان… انتشي بصوت ابي… رحمه الله… وهو يردد بعض… الايات القرانية…بصوت شجي غريب… يمتزج صوته… بصوت المؤذن… المنبعث من الصومعة الوحيدة في القرية… اضواء الصومعة… كانت تضيء فناء… منزلنا الكبير…وسط السوق… … الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك… …روائح عديدة تقتحم الفضاء… تمزق بقايا احلام… بانفاسها عالقة… رائحة القهوة المزهرة… المنبعثة من مطبخنا البسيط… رائحة القهوة… القادمة من المقهى المقابل لمنزلنا…”. حالةٌ من الحزن و الأسى تسكنها لغيابها عنه “… هذه اللوحة… لك وحدك… … الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك.. … و فشلت… فشلت في وفائي بالوعد… وعدي الا اتواصل معك فجرا…الا ابوح لك بصبيانياتي… التي تلازمني… الا اترك حرفي… ينبذر حبا… على شاشة هاتفك… … الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك… … تماسكت… نظرت الى وجهك… حتما و انك تنام… تتمسك بحلم طفولي… هو ايضا… يتمسك بك… يابى فراقك… كنت تبتسم…ابتسامتك تشي بتطفلي عليك… على عالمك هذا الفجر… ضحكت من تصرفاتي… صبية انا بعد… اتلمظ عالما لم املكه…لم اتملكه…كما اشتهيه…. … الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك…”.هي تسكنه و تستوطن روحه و قلبه , تجري منه مجرى الدم في العروق وهو ما يعكس شدة التعلق و القرب. روحها كانت غريبةً في جسده لغيابها عنه” …روائح عديدة تقتحم الفضاء… تمزق بقايا احلام… بانفاسها عالقة… رائحة القهوة المزهرة… المنبعثة من مطبخنا البسيط… رائحة القهوة… القادمة من المقهى المقابل لمنزلنا… رائحة الفطائر المضمخة بالعسل… المخضبة بالسكر… المعتقة بماء الورد…لصانعها الوحيد…الذي جاء القرية… ذات خريف ممطر… اتخذها وطنا له…تتعانق معها… رائحة الخبز الطازج… الموشى بحبات البسباس و السينوج و الجلجلان المحمر… على نار تختزن دفئها في صمت…المنبعثة من المخبزة الكبيرة… في الشارع الخلفي لمنزلنا… …الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك… … بدهشة الطفلة في… انظر اليك… اتملاك… خلسة عنك… امرر اناملي على تقاطيعك…الامس ابتسامتك…احس انفاسي… تتقاطع و انفاسك… تشاطرها لذة الاختباء… بمسافات بعيدة… نشوة اللقاء… في مدن احببتها… على صوت القطار القادم… من اماكن احببت… ثلوج تالة… تفاح سبيبة… اثار سفيطلة… يعيدني الى طفلة… بالاعماق ماكبرت قط… و ها هي معك… تجتر نبضات لها… بالشرايين تسري… كان لصفير القطار وقع خاص علي…يصل القرية… الخامسة فجرا… ينزل مسافرون…يركبه اخرون… كثيرا ما يحل بيننا… بعض الأقارب… لقضاء ايام معنا… كم كنت اود ان تطول اقامتهم معنا… و انام على حكاياتهم…بطعم السفر… …الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك… لغةُ العاشق و رسوله كانتا عيناه حيثُ فضلت النظر والترقب على الكلام ” … تماما… كما انت الان…استرق النظر اليك… و انت تنام… كطفل صغير… و بيننا… مسافات و ابعاد و بحار… كنت استرق النظر… الى ما وراء… الباب الاسود الكبير لمنزلنا… من الثقب الصغير… في الجانب الأيسر فيه…انظر الى العالم… العالم الحرام… كما همسوا لي… لم افهم الحرام… لم ار الحرام… اهو الذين يسارعون الخطى… الى حيث لا اعلم… اهو احد الكلاب المتشردة… تبحث لها… عن طعام… عن وطن… اهو صوت الخطاف أضاع رفيقة أسفاره…في احدى .”
محبوبها من طرازٍ خاص وصفها له جعلنا نراها ذات طبيعةٍ مُذهلة فهي قد بلغت درجةً من النقاء والصفاء لدرجة انه رأى في مشاعرها انعكاساً لصورة الفجر “… الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك…” . تستطردُ في ذكر صور صفائها و نقاء روحها “تتعانق الروائح… تتعدد الوجوه… تتدافع الفناجين…الى قهوة مزهرة…يسابق اريجها… طعمها العربي الهيلي… غريب امري… اتكون انت الحرام… الذي اخبروني انني… سالتقيه ذات نبض… في هذا العالم… و قد اصبحت انت… هذا العالم…. كل العالم…”. وصفُ المحبوبة يرسمُ أيضاً صورةً للعاشق فمحبوبةٌ بهذه الصفات تستدعي أن يكون عاشقها صاحب قَدرٍ كبير , يقول ابن حزم :و الشكل دأباً يستدعي شكله و المثل للمثل ساكن و , و للمُجانسة عملٌ محسوس و تأثيرٌ مشهود, و التنافر في الأضداد و الموافقة في الأنداد ” ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية لا بد من هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة فانظر هذا تراه عياناً، فقدرُ المُحِب من قدر محبوبه .
تختتم هذا البوح بمُناجاةٍ رقيقة للمحبوب فتُناديه بأرق صفات الحديث” … الان افقت من احلامك الطفولية… تفطنت الى اني… كنت افتكك منك… اقتحم بعضك… اضمك الي… ضمة حرفين…بوح شهقتين… عذوبة لونين… و كتبت اليك… ” هي تُمثل الربيع لخريف حياته و هو يُمثل لها الظل الذي يقيها وهج الشمس ” انني فشلت… فشلت… في محاولتي التعود…على عدم التعود عليك… بتعويذاتي الفجرية… بابتسامتك تلبس ابتسامتي… طفل كبير انت… ” صورةٌ من الإحاطة و الحماية ” ، و هذه الطفلة بالاعماق كبرت… ما عادت تخفي فارس الحلوى.. بين فستانها الاصفر… و الجسد… بالحرف اصبحت تكتبك… باللون ترسمك… بالقلب تسكنك…. موطنالها…لك…لنا معا… … الفجر عندي… يحن اليك… فماذا عن الفجر لديك… ” . أتمنى أن ينال لقائها ” وَعِنْدَ مَشَارِفِ الفَجْرِ المَاثِلِ شَوْقًا سَيَظَلُّ دَوْمًا لِلعَاشِقِينَ لِقَاءٌ” حدد الفجر وقتاً للقاء لأن قبل الفجر تكون احلكُ ساعات الليل فيُمثل اللقاء إشراق شمس سروره و سعادته التي ستمحو عتمة الغياب والبُعد والمسافة ناشرةً الدفء بعد أن سكن الصقيع ايامه في بُعدها.