” كيف يتصرف التونسي مع رموزه ” خواطر من ذكرى مشاركتي سنة 2006 في بعثة عسكرية إلى الكونغو الديمقراطية (الزائير سابقا) بقلم الدكتورالصحبي بن منصور

أنوار جامعية نيوز بقلم الدكتور الصحبي بن منصور

الدكتور الصحبي بن منصور
أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة

” كيف يتصرف التونسي مع رموزه ”
خواطر من ذكرى مشاركتي سنة 2006 في بعثة عسكرية إلى الكونغو الديمقراطية (الزائير سابقا)

إنّ الهدف من تدوينتي هذه التنبيه إلى أنّ ما ينقصنا في تونس هو الدفاع عن صورة بلادنا ورموزها..، ورموز تونس هي كثيرة لا تحصى ولا تعد:
من المعالم الأثرية والحضارية على غرار مدينة القيروان المحروسة وجامع الزيتونة المعمور… ومن أعلامنا الثقافية والعلمية والسياسية… لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو كيف يتصرف التونسي مع رموزه؟

الجواب وهو مؤسف جدا أنّ التونسي لا يعبأ دائما برموزه وانما يعمل بكل بساطة ودون تأنيب ضمير على إهانة رموزه… والنتيجة أنه لا استطاع أن يحل محلها ولا استطاع أن يهدمها.

ويكفي أن أذكركم هنا كيف تم التسويق مؤخرا في أحد البرامج التلفزية إلى أنّ النشيد الوطني التونسي مسروق كلمات ولحنا ويجب تغييره، وأن أذكركم أيضا ببعض الحملات التي تروج لافكار مسمومة من قبيل أن جامعة الزيتونة جامعة إراهبية وان بورقيبة عميل وخائن وأن تونس ليست مسقلة ووو…

أسوق هذا القول لأننا نحتاج في تونس الجديدة … تونس الثورة وأكثر من أي وقت مضى إلى تعلم شيء من وطنية الشعوب الأخرى… وكلنا نذكر كيف تمت منذ سنوات قليلة معاقبة الفنانة المصرية شيرين عندما أهانت في مزحة لها فوق ركح أحد المهرجانات بالخليج العربي نهر النيل، ذاكرة أن الشرب من مياهه يسبب البلهاريسيا، وهذا حقيقة، فتمت معاقبتها في مصر لأنّها مست من صورتها وافسدت أحد أهداف صناعة السينما المصرية التي تعمل على التسويق لجمال مصر ومتعة السياحة فيها وروعة رموزها التي منها نيل مصر العظيم.

وقبل سفري إلى القاعدة العسكرية لاشنغراف بالكونغو الديمقراطية (الزائير سابقا) جمعتنا جلسة عمل مع السيد وزير الدفاع الوطني في مكتبه سنة 2006 وكان وقتها السيد كمال مرجان الذي حدثنا عما استخلصه من رئاسته للجنة الأممية بالكونغو الديمقراطية، ومما ظل عالقا منها في ذاكرتي قصة التونسي اليهودي الذي استقر نهائيا في كينشاسا منذ ستينات القرن الماضي وكانت مزحته الأشهر وهي أن نهر الكونغو العظيم هو النهر الوحيد في العالم الذي يموت فيه السمك بالشيخوخة… معنى ذلك أن كثرة السمك في نهر مترامي الأطراف –تؤكد الدراسات الحديثة أنه يمكن أن يوفر الطاقة الكهربائية لكل القارة الإفريقية زائد دول أوروبا الجنوبية– حال دون صيده وكتب له بالتالي طول العمر حتى وفاته الطبيعية وهو في حالة شيخوخة.

وما تم التأكيد علينا في علاقة بالبلد الذي نزوره هو أن شعبه يرفض تصوير حالة فقره وحالاته المزرية من تشرد وعنف وفوضى… لم أكن لأخذ هذا القول بجدية لولا أني كنت في الحافلة العسكرية وعمد أحد الرفاق إلى رفع الكامير لتصوير حالات البؤس بشارع باتريس لومامبا عندما لمحه بعض المواطنيين الكونغوليين فبدأوا يتوعدونه بإشارات الذبح مما أغضب الضابط التونسي وحث المعني بالأمر على الإنزال السريع للكاميرا.

والمؤسف حقا اننا أصبحنا في زمننا الراهن نتقوى على بعضنا البعض بالقوى الأجنبية وننشر غسيلنا التونسي في المنابر والمحافل الدولية… والغريب أنه لم تعد الحكومات المتعاقبة تحرص على مراعاة نفسية الشعب التونسي والنهوض بها وعلى المحافظة على صورة تونس الناصعة في الخارج…

وأبناء وطننا داسوا بكل السبل على صورة تونس التي صارت بلد الفقر والبطالة والفوضى والعنف الاجتماعي وضعف الدولة والأمراض… وكل شيء فيها مهدد بالإنفجار والانهيار والإفلاس…

وما نأمله أن يهتدي مسؤولونا الحكوميون اليوم إلى خدمة سمعة تونس وصورتها داخليا وخارجيا فذلك هو رأس المال وذلك سبب نجاحاتنا ومصداقيتنا في المجتمع الدولي.

وعندما أتطرق هنا إلى قيادة تونس لأكبر بعثة أممية في الكونغو الديمقراطية التي كان يعني الفشل فيها وبسبب الصراعات العرقية في دول الجوار تعريض جزء كبير من القارة الإفريقية إلى الانفجار، فإنه يجب نشر المعلومة بأن الجيش التونسي الذي كان لي شرف معرفة كل مؤسساته وثكناته الجوية والبحرية والبرية عن قرب هو من صور تونس المشرقة ومن دعامات تنميته… كيف ذلك؟ الجواب هو أن الجيش التونسي كان قائما على 3 نجاحات تاريخية كبرى: أولا دوره في إرساء السلام العالمي منذ الستينات، ثانيا دوره في التكوين المهني من خلال تخريجه لكفاءات يتم توظيفها في الشركات الأجنبية سواء في الخارج او بتلك المنتصبة في تونس، ثالثا خدمة التنمية باعتبار أن الجيش التونسي يستقطب المتفوقين في اختصاصات مختلفة بالبكالوريا الذين سيصبحون في اكاديمياته ومخابره ومعامله وورشاته مخترعين وذوي قدرات عالية على الإضافة، ويتوفر على تجهيزات متطورة وعلى حسن إدارة المشاريع المحلية والجهوية والوطنية وعلى استصلاح الأراضي ومد الجسور والطرقات…، وكل ذلك جعله قبلة المستثمريتن الخواص الذين يمكنهم الاستفادة من مختلف الخدمات التي يسديها لهم الجيش التونسي بمقابل.

وأشير بالمناسبة إلى أنّ رئيس الزائير الشهير موبوتو كان تقديرا منه للزعيم الإفريقي الشهير وقتها الحبيب بورقيبة أهداه قصرا بأجمل مناطق العاصمة كنشاسا، فكتب بورقيبة ملكيته باسم الدولة التونسية وحولها إلى مقر السفارة التونسية هناك ولذلك فتونس هي الدولة الوحيدة كما قيل لنا تمتلك مقر سفارتها بالكونغو الديمقراطية اليوم، كما أشير إلى أنّ المسؤولين والمواطنين الكونغوليين كانوا من فرط تقديرهم لرئيس البعثة العسكرية الأممية ببلدهم وهو التونسي كمال مرجان كانوا يقولون لنا لو كان بيدنا أن نختار رئيسا من خارج بلدنا لاخترنا السيد كمال مرجان… هذه شهادة تاريخية أسوقها كما هي مجردة من أي خلفية مني أو تأويلات من البعض… شهادة عن بلد أبيّ مجيد تنتشر فيه عصابات الشيقاوات (هي كلمة من اللغة السويحلية المحلية بالكونغو مقتبسة من اللغة العربية… من كلمة الأشقياء)، وهم ملايين الأطفال المشردين من اللقطاء الذين يشكلون عصابات خطيرة تروع الناس ويتم تجنيدهم في النزاعات المسلحة بالمنطقة… شهادة عن بلد تحول أشهر سوق به من سوق القيمة (marché de valeur) إلى سوق السراق (marché des voleurs)، ومع ذلك رفض شعبه بشكل تلقائي عجيب أن يتسول بصوره المخزية أو أن يسمح لأحد بأن يلتقطها في شوارعه ثم ينشرها على مرأى العالم…

وخلال عقود خلت قال الشاعر الكبير محمود درويش: “لا أعلم من باع الوطن ولكنني رأيت من قبض الثمن”… أما أنا فأقول معارضا وصفه ليصبح مصداقا لواقع تونس الشهيدة : “لم أشاهد من قبض الثمن لكنني أعلم من باع الوطن”… إنّهم من فرطوا في صورة تونس وشوّهوها في الإعلام والانترنات وفي الخارج…

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket