أنوار جامعية نيوز اعتدال القاسمي
ما بين قلب الوطن و عقل الغربة : تتأرجح مسرحية “المهاجران” للثنائي صلاح مصدق وجلال الدين السعدي
أيبدع الثنائي جلال الدين السعدي و صلاح مصدق في بناء كيان تجرع مرارة البعد عن الوطن و الانتماء في دهليز دار الثقافة ابن رشيق طيلة أيام ال 21 و ال 22 و ال 23 من اكتوبر..من خلال مسرحية “المهاجران” حيث يقوم الممثلان بتجسيد نص مسرحي من اقتباس الكاتب لسعد بن حسين عن نص أصلي لـ “سلافومير مروجيك” و إخراج حافظ خليفة بطريقة .
المسرحية ترسم ملامح المفارقة الواضحة بين الطبقة الأجنبية البرجوازية التي وصّفها النص بالقاطنين في الأعالي من جهة و بين ردم الطبقة الشغيلة تحت الأرض.. في ديكور يحمل آلاف المسارات من المعاني ابتداء من ظلام المكان و ضيقه وصولا إلى تفاصيل الأثاث و الملابس و حتى تفاصيل الملامح..
ملامح تتراقص بين المثقف المفكر الكاتب الذي يقضي اليوم في تدوينات عقلية مفبركة تعكس تمرد الشخصية عن الواقع و رفضها لحتميات تفرض وقار شخصيته و توهمنا بجلالة و عظمة تفكيره. و بين سذاجة شخصية أخرى تحوم حول حكايات السفسطة التي تكشف الستار عن أحلام الشخصية البسيطة التي لا تتجاوز بياض الأجساد و أحمر الشفاه..شخصية تفتقر في العقل في جانبها الأول الكادح المفعم بالعمل و حيوية العالم الوردي الذي عبر عنه بالرضاء التام تجاه الظروف القاهرة و المزرية.
فرغم التشاركية المكانية بين الشخصيتين إلا أن الزمان العقلي يُحدث هوة ثقافية فكرية وإيديولوجية تجعلهم داخل صراع أزلي.
فتعبر الشخصية الأولى عباب يم الثقافة و التظاهر اللامع و تعبق من الثانية رائحة التشبث بالحلم الأمريكي القديم ما يخلق منها رهين غربة الأموال و الجشع قبل غربة المكان.
تتضاعف وتيرة المسرحية في نسق تصاعدي لتكشف كل شخصية عن ما يستتر داخل أحشائها من معاناة و من أحلام مكبوتة تتوجس الحرية،حرية يبحث كل منهما عنها في باطن انتماء أحدهم للوطن والماضي قبل الذات وفي فيض من النكران تجاه ما قد فات و ولى في عيون الشخصية الأخرى،هذا التضارب الصارخ يصنع من المسرحية مشهدا من الاختلاف المتجانس المفعم بالتعقيد والبساطة في آن واحد.
و لكن هل فقدان الشغف نحو الوطن ما يصنع الارتقاء ؟ أم أن التوجس وإتقان ألعاب السفسطة الاجتماعية هو سبيل الرقي الحقيقي ؟
