مسرحية “ثقوب سوداء” لعماد المي دعوة للبناء والانقاذ  ولتفادي الالغام المزورعة في المجتمع

أنوار جامعية حافظ الشتيوي

حافظ الشتيوي
حافظ الشتيوي

مسرحية “ثقوب سوداء” لعماد المي دعوة للبناء والانقاذ  ولتفادي الالغام المزورعة في المجتمع

انتهت فعاليات الدورة 23 لأيام قرطاج المسرحية ودورة أخرى تدخل التاريخ بعروضها وندواتها وضيوفها  لتظل بعض الأعمال المميزة فيها متوهجة في الذاكرة ومن الأعمال التي شدت الجماهير مسرحية ” ثقوب سوداء ” للمخرج عماد المي المتحصلة على جائزة نجيبة الحمروني لحرية التعبير التي تسندها نقابة الصحفيين

وأذكر يوم العرض لم يكن بقاعة الجهات بمدينة الثقافة كرسي واحد شاغر كيف لا والعمل عن نص “تراجيديا الديوك” لنورالدين الورغي ومخرجه مسرحي برتبة مفكر وباحث ومطور للفعل مسرحي أثبت من خلال أعماله السابقة بان ما يقدمه هو تجديد على مستوى الفرجة والأداء والدراماتورجيا والسينوغرافيا وعلى مستوى النص وما يقدمه من رقي فكري على مستوى الطرح والكلمة والتوليفة المسرحية باعتباره من أنجح المخرجين في تطويع النصوص وتوليفتها على الساحة الثقافية التونسية والعربية ولعل أبرز أعماله نجد مسرحيات صديقي نيتشه أو المنحرفون ” قانون الجاذبية وهو مشروع مشترك مع ماهر العواشري “، و”الإنسان هو الإنسان”، و”دين دين”، و”حب ومسرح”، و”المنبر أو موتى بلا قبور”، و”الرهوط أو تمارين في المواطنة”، وأخيرا وليس آخر “نهاية الطاغية أو لعنة السلطة “.

انطفأت الأضواء وانطلقت المسرحية بصوت أزيز الرصاص ودوي القنابل لتبدأ الأحداث تحت قنطرة العشاق حيث يلتقي أبطال المسرحية وكل واحد يحمل همّا يثقله وحلمًا يدفعه نحو الأمام ، وتظل “القنطرة”  همزة الوصل وجسر فكري وروحي يربط الماضي بالحاضر ويدفع نحو المستقبل من أجل  تحقيق الأماني والأهداف

ولكن الجسر انهار وبانهياره تنهار كل الأفكار وبانهياره تخرج من مكمنها الأسرار وفي لحظة محاولة ردأ الصدأ وإعادة البناء  يتبين أن الأرض كلها مزروعة بالألغام وتضطر كل شخصية أن تتسمر في مكانها تفاديا للانفجار

لحظات تحبس الأنفاس وتلعن الصدف القاتلة التي جعلت من الإنسان الخطأ في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ وتنفجر داخل كل فرد ألغامه النفسية والاجتماعية والفكرية في مواجهة ألغامه الحسية

ويسبح بنا المخرج عماد المي من خلال أبطاله الثلاثة في مجرات الكون الإنسانية كاشفا الثقوب السوداء التي تنخر سماء كل فرد فينا وتبتلع كل جميل في داخلنا طارحا جملة من القضايا الاجتماعية والإنسانية ، وتمثل ألغامًا على وشك الانفجار وجب الانتباه إليها وإلى المخاطر المحدقة بالمجتمع التونسي، وكأنه أراد أن يقول بالفلاقي الصريح ” أعرف وين تحط رجليك يا مواطن ” فهي إذا دعوة إلى الحب والسلام .

وما انهيار القنطرة إلا تضمين بصريح العبارة على انهيار جسر العشق الإنساني والنسيج الاجتماعي وهو ضياع تماسك فسيفسائية  الأفراد داخل المجتمع  وهو أيضا دليل على انهيار القيم في حد ذاتها وهذا الانهيار حتما سيخلف دمارًا وألغامًا وبالتالي وجب إعادة والهيكلة والبناء .

فالمسرحية إذا دعوة للبناء ضد هذه الألغام المزروعة فينا وفي المجتمع كافة ، فالجهل لغم والفقر لغم والجوع لغم واليتم لغم
وباعتماد المخرج طريقة المشاهد المتقطعة والسينوغرافيا المتحركة استطاع أبطال المسرحية طلال أيوب وأسماء مروشي وغسان الغضاب أن يشدوا انتباه المشاهد طيلة ساعة العرض من خلال حركاتهم المدروسة والمتناسقة مع الإنارة والموسيقى بالثانية خاصة في مشاهد الضغط على الألغام ومشاهد تجسيد أحداث وقعت أو تمنوا وقوعها فكل واحد في داخله صرخة مكتومة سواء الجندي الهارب أو الفنان الحالم أو المرأة البسيطة الباحثة عن حبيبها وبذلك ودون مقدمات تسللوا إلى أعماقنا بصدق أدائهم وبإيمانهم بعمق المغزى الوجودي للعمل وبوقع كل كلمة منطوقة

وككل أعمال المخرج عماد المي الرافض للاستسلام والداعي إلى الأمل، و بالرغم من سوداوية الموقف في المسرحية فقد تم توزيع الورود على الجمهور داخل القاعة مما اعطى شحنة من الأمل ومن العواطف والأحاسيس الراقية فما أجمل الحب في زمن الألغام
شكرا عماد المي على هذه المراوحة الفكرية الفرجوية وشكرا على الدعوة إلى التفكير لتفادي الألغام ولسد الثقوب ولبناء المجتمع.

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket