أنوار جامعية نيوز مروى قنيشي

مسرحيّة ” المهاجران “عمل درامي جيد نصا واخراجا ويكشف صورة الواقع الأليم وما نحن عليه الآن
شاهدت البارحة 23 أكتوبر 2022 ، على السّاعة الخامسة شكلا من أشكال المسرح الجديد المتجدّد في الطّرح و الإنتاج و الإخراج و الدّيكور
والنّص أيضا .
نبدأ بالنصّ هو اقتباس للنصّ الأصلي ” سلافومير مورجيك” و أعاد دمجه في الفعل التّونسي الأستاذ الأسعد بن حسين الّذي اشتغل على نصّ عالمي بخصائص و مفردات متونسة لم تنضج بعد في خميرة خبزها ،و لم تنضح من زيتها و لم تتشكلّ كما يلزم .
و المثال على ذلك هناك كلمات جديدة غريبة علينا لكنّها مفروضة فرضا مثل ” الشّعبويّة ” و هي كلمة ركيكة و هذا رأيي الشّخصي ، لم تفعّل كما يجب في نسيج النّص المسرحي ، أراها ملتصقة بالنصّ الأصلي التصاقا يستطيع أن يتطاير في أيّ لحظة .
والمفردة الثّانية ” السّياسة” أيضا لم يقع التعمّق فيها، وكلمة ” فكر” ورهان المفكّر عمّا يقول .السّؤال هنا، هل نحن إزاء خطاب موجّه للنّخبة أم هو خطاب ” شعبوي ” كاستخدامنا لمفردة ” شعبويّة ؟ وهل لنا أن نفرّق بين الجمهور المقبل على مسرح نوعي ؟
هذا على مستوى النّص ، أمّا على مستوى أداء الممثّلين نحن نتعلّم في دورات تكوين الممثّل، أنّ التنفّس مهمّ للمثّل لكن لاحظنا أنّ الممثّل القدير صلاح مصدق أحيانا يرهق و يتلعثم في كلمات غير محسوسة للعيان و لكنّها تثبت فاعليّتها على مستوى المنطوق ، و أمّا الممثّل القدير جلال السعدي ، في فترات من العرض كنت أشعر معه بملفوظات غير مهيّأة بشكل يحترم لهجات الشّمال الغربي و الوسط ، هناك فروقات في النّطق
وحتّى في مخارج الحروف ( أكتب عن دراية بما أنّني من ولايتي الڨصرين و سيدي يوزيد ) ، لكن رغم هذا التّباين الواضح إلاّ أنّنا رأينا نصّا متكاملا ، لدينا حكاية نتتبّع تفاصيلها و نقرأ بين السّطور ، أفكار المثقّف و الرّجل الثّاني البسيط .
عكس ما يراه البعض أنا وجدت المفكّر بسيطا و البسيط مفكّرا ، و الدّليل على ذلك ساعة شرب الاثنين خمرة عيد الكريسماس ، و كأنّ الأدوار تغيّرت ، ولم نعد نعي ما يحدث على خشبة المسرح الغير اعتيادية ” الدّهليز” .
النصّ الجيّد و العمل الدرامي الجيّد يمنحانك صورة موضوعيّة على ما نحن فيه، فنطرح التّساؤلات .هل نحن معنيّون بحكاية هذان المهاجران ؟ و هل نستطيع فهم طبيعة الهجرة عن طريق مهاجر تعب من هجرته ؟
عندما يقف المتفرّج وراء وجه المفكّر في المرآة ، فهو ينظر إلى نفسه بالأساس، يغسل همومه اليوميّة معه ، و يتجنّب خسائره الّتي لا تنتهي .
أمّا البسيط اللاهي بعشق النّساء و الاحتلام في “البوّالات” العموميّة ، فهو رهين الجسد المنسي المحكوم عليه بالإعدام مع تأجيل التّنفيذ ،فهو راغب دائما عاشق متلذّذ رغم أوجاعه الدّفينة ، الّتي يرغب أن يتناساها هو أيضا.
الانفجار الّذي حصل في نهاية القصّة ، و في نهاية أداء المُمَثّلين ، يؤرّخ لصورة التّونسي المهزوم ، المرتهن داخل و خارج تونس ، يبقى دائما الحديث عن تونس عند المهاجر ، و يبحث دائما عن لقاء تونسيّ مثله في بلاد الغربة .
الدّيكور مهيّأ حسب شخصيّة كلّ مهاجر ، وقع احترام وضعيّة المهاجر المنبوذ والمُزدرى في أذهاننا .
ملاحظات :
– مريض الصّرع لا يتصرّف بتلك الطّريقة ، له حركات أخرى مخصوصة يقوم بها ، يكون مزرقّ الوجه أبيض اللّسان ،مختنقا ، فاقدا للوعي ، يرتعب كلّ من يراه ، يديه تثقلان بشكل يائس من منبت الكتف إلى أصغر إصبع في كلّ يد .
– وقت النّقاش لم يوزّع كما يجب ، أحببت لو يكون هناك توازن بين أساتذتنا الأجلاّء في الاستحواذ على الكلمة و بيننا نحن الطّلبة ، فنستفيد جميعًا .كيف سيكون لدينا نقّاد في قادم الأيّام إن لم نفتكّ الكلمة و نعبّر على و جودنا في الفضاء الثّقافي ؟
إشادة :
عموما شكرا على الأداء المسرحي المغموس بعرق الممثّلين وصدقهما أثناء أداء المسرحيّة .
شكرًا للمسرح الّذي يضيف لفكر وواقع المتفرّج نوعًا من الوعي و الثّقل المتنوّع ، لأنّني أنا بالذّات لم أقرأ “لسلاڤومير مورجيك ” و هذا الوقت المناسب للبحث على النصّ الأصلي و قراءته .







