أنوار جامعية / حافظ خليفة من موريطانيا
من قلب صحراء موريطانيا المخرج حافظ خليفة يكتب : موريطانيا الجنة الضائعة
احيانا وجودك بالجانب الأقصى من الخارطة،يحميك من تسرب عدوى الشبه و فقدان الهوية،موريتانيا مثالا قويا،لبلد يشبه نفسه و شعب اكثر عربية و تجذرا و تشبثا باصالته و ديانته من اي بلد عربي آخر، انه بلد المرابطين و شنقيط و المليون شاعر.. و رغم التمازج المدهش في برزخ التلاقي بين الهوية العربية و الأصول البربرية الافريقية و الذي زاد جمالا لسمرة الرجال و النساء بشكل فريد و نوعي،فانك تجد شعبها له قدرة على تلفظ اللغة العربية بشكل لا يتقنه حتى اخواننا المشارقة،انهم أبناء الكتاتيب و النحو و الصرف ،أبناء الصحراء و ما تحتويه من صفاء و بهاء و بساطة و وضوح و ارتباطا بالاصول الاولى للانسانية مع الطبيعة و الوجود،أبناء البحر الغني بثرواته النادرة، انهم أبناء الأرض البكر ،التي لم تشوهها العولمة و أموال الذهب الاسود.
تراهم جالسين حول الأتاي(الشاي) بسمرهم الطويل الممتع و بحكاياتهم التي هي جزء لامتداد الخيال الذي فقدناه،لا ضجيج و لا ازدحام لا مواقف سيارات ،و لا حارس عمارة او بنك يصرخ في وجه الناس،لا مسارح موبوءة ببذاءة الاستعراضيون و تجار الفنون،لا مهرجانات البهرجة و الفن الهجين،لا دعارة سياسية او صحفية او ثقافية او اجتماعية.
الزمن الذي نعرفه و يكبلنا احيانا، منسي و احيانا مفقود لديهم،لان زمنهم انساني في علاقة بايقاعهم الذاتي و إيقاع كأس الشاي بمراحله الثلاث،انهم ينظرون إلى العالم و إلينا بشفقة و استغراب،و نحن الذين نعيش في اقفاص تحظرنا الغربي المزيف و المشوّه،ينظرون عند كل مساء و هم قابعون على اعالي تلال كثبان صحراءهم الواسعة،بامتدادها الذي يهبك الحرية و التجرّد من كل ادران الحياة.
موريتانيا سيارات رباعية الدفع من اخر طراز و بجانبها الخيمة و كأس الشاي في عمق الصحراء،اللثام و اللباس الأبيض و الأزرق الدائمان حتى بافخم المباني و الدوائر، الخيمة المنتصبة داخل بيت عصري، التمدن و البداوة خطان متوازيان دون تشويه او انحراف.
احيانا ان تكون مجهولا و نائيا هي نعمة فريدة تهبك السلام ،تمنحك السكينة و الصفاء مع الذات و تصالحك مع اصولك و ماضيك،رغم النظرة المتعالية للطرف الآخر الجاهل السجين باغلال التحظر و التمدن،و ما تحمله من تشويه للسلوك الإنساني للتعاون و الوجود ما فيه من غطرسة و تكبر و أنانية و حسد و رياء و حسد و نفاق الخ..
و احيانا لما تزور موريتانيا تتمنى ان تعيش بها بقية العمر في محاولة لملامسة الإنسانية البكر التي تتمنى.
مخرج و سينوغراف مسرحي تونسي