أنوار جامعية حافظ الشتيوي
نجاح فني وجماهيري في العرض الأول للمسرحية الكوميدية “الدار الكبيرة ”
عندما تدور عجلة الزمان ويجد الأنسان نفسه فجأة وجها لوجه أمام العجز والكبر والهجر والنسيان فيصاب بصدمة الواقع وبخيبة أمل الماضي التليد ويظل يجتر ذكرياته ويستعيد مجده وأمجاده ويصبح الماضي هو حاضره
ذلك هو لب الحكاية لمسرحية ” الدار الكبيرة” لشركة واب الفنون إدارة وحيدة الصغير البلطاجي التي قدمتها بدعم من وزارة الشؤون الثقافية مساء الأحد 05 فيفري 20.23 بقاعة الفن الرابع عن نص لجلال الدين السعدي وسينوغرافيا
و إخراج جمال ساسي وتمثيل كل من صلاح مصدق وزهير الرايس وجلال الدين السعدي وألفة الحكيمي وسالم سلامة في تقني الإضاءة لطفي بن عمار والتجميل إيناس الحفيظي والتوضيب العام أسماء الكوني وفي تنفيذ الإنتاج ربيع البلطاجي
تدور الأحداث في دار للمسنين بين خمس شخصيات متناقضة متباينة وكل واحدة وحكايتها وأسرارها في الحياة تطرح إشكاليات التواجد والتعايش ضمن قضايا إنسانية وأسئلة وجودية حارقة حول علاقة الانسان بأخيه الانسان وعلاقته بالمحيطين به وبوطنه والأهم من ذلك علاقته بنفسه ومدى تحقيقه لآماله وأحلامه والصراح النفسي من أجل تحقيق الذات واستمرارية الحياة .
على مدى ساعة ونصف تقريبا عاش الجمهور العريض بقاعة الفن الرابع على إيقاع نص طريف ومتين في نفس الوقت حيث غاص الكاتب في عمق شخصياته وأبرز مدى التناقضات لكل واحدة منها جاعلا الجانب النفسي هو الخيط الرفيع الرابط بين جميع اللوحات لتجد نفسك متعاطفا مع كل مشهد وكل شخصية .
ولئن اعتمد المخرج على سينوغرافيا مشهدية تفتقر إلى الديكور المرئي ( ثلاث كراسي فقط ) إلا أنه ارتكز على اللعب الدرامي أكثر وعلى قدرة الممثلين على امتلاك الركح وخلق التوازن بين الفضاءات وعلى التحكم في الانفعالات وكأنه قائد فرقة اوركسترالية وزع فيها مقاطع الإحباط والصدام والاكتئاب والحنين والغضب الدفين بشكل متوازن بين الشخصيات وبين اللوحات.
وبالنسبة لتوزع الشخصيات نجد شخصية “عبدو” المليونير الذي جردته عائلته من كل أملاكه التي اغتصبها من جده الميت ورماه إخوته في دار المسنين وهوما يزال عنده أمل في زيارتهم له .
وقد أدى شخصية “عبدو” الممثل جلال الدين السعدي الذي ما فتئ في كل مرة يطل علينا بدور جديد إلا ونكتشف ما لهذا الممثل من قدرة على التجديد والتنوع والتلون وخاصة التطور في الأداء حسب مقتضيات الدور والعرض وقد استطاع كعادته أن يشد الجمهور بمواقفه وحركاته الطريفة.
ثم نجد شخصية ” الصغير” الفنان من الزمن الجميل الذي ما يزال يعيش على الأطلال ونكتشف أن أغلب ألحانه مسروقة ويضطر للعيش في دار المسنين بعد أن بدد جميع ثروته ووجد نفسه وحيدا في عمر متقدم لا زوجة ولا أبناء .
وقد أدى الدور بامتياز الممثل زهير الرايس وهنا نكتشفه لأول مرة في دور مركب متقمص شخصية الفنان العجوز وقد تفنن في الايحاء على مستوى النطق والحركة ليطبع في الذاكرة أداء مميزا على كامل ردهات المسرحية.
وأخير شخصية “صلاح ” الشخصية الغامضة دائمة الصمت والمطالعة في بداية المسرحية ثم نكتشف أنه من جيل السياسيين الذين نهبوا البلاد والعباد وافتروا على الشعب بالكذب والوعود الزائفة .
وقد قدم الممثل القدير صلاح مصدق الشخصية بحرفتيه العالية وبطرافة أداءه وبانسيابية وتلقائية في الأداء تعودنا عليها في جميع أدواره
ويحيط بهذه الشخصيات الثلاث المقيمة بدار المسنين الممرضة اللعوب بشخصيتها المهتزة والمضطربة والتي تسعى جاهدة للسيطرة على توازن الدار وارضاء النزلاء من ناحية والتحرش والتقرب من سي صلاح من ناحية أخرى وفي نفس الوقت تخشى سلطة الإدارة وتبحث عن الراحة النفسية .
وعن طريق هذه الشخصية اكتشفنا في الممثلة ألفة الحكيمي القدرة على التشكل و التحكم في انفعالاتها وعلى المسك بزمام الأمور في علاقاتها بالاطراف المحيطة بها وعلى سرعة البديهة في أداء مجمل الشخصيات المتناقضة في داخلها فهي صاحبة المواقف الجدية والصارمة واللعوب الباحثة عن المتعة والساعية لتقريب وجهات النظر والرافضة لسلوكيات عديد البشر
و أخيرا شخصية “الفائق” المساعد النمام والوصولي الذي لا تفهمه إن كان مع النزلاء أو مع الإدارة أو ضد الأعوان أم ضد الإدارة تراه يؤمن بالمبادئ وفجأة تكتشف أنها آخر شيء يفكر فيه .
وإحقاقا للحق يمكن القول ان هذا الممثل الشاب سالم سلامة هو اكتشاف جميل لما له من طاقة إيجابية وتعامل الند بالند مع الشخصيات فوق الركح مما خلق توازنا في الأداء بينه وبين المحيطين به.