أنوار جامعية نيوز / سليم مصطفى بودبوس
استقبله معظم سكان العالم بابتهاج، ولهج بذكره المنجّمون والعرّافون، وتفاءل به الفنانون والسياسيون… نعم إنه 2020 هذا العام ذو الرقم المميز؛ إذْ لو كان رقم سيارة لبيع في السوق السوداء بأطنان الدولارات.. ولكنّه اليوم رحل أو يكاد وقد خلّف وراءه الآلام والأحزان، وكشف عورات كثيرة في ذواتنا أولا، في مؤسساتنا، في خططنا القريبة وفي إستراتيجياتنا على المدى البعيد.
لا شكّ أنّه عام ويرحل، وأنّ البشرية مرّت بأسوأ منه في القرون الخالية، ولا شكّ أنّ الإنسانية مرّت بجائحة أخطر من كوفيد 19 ، وفقدت من قبل ملايين البشر، ولكن لماذا نألَمُ اليوم لما حصل لنا في 2020 كما لم نألمْ من قبل؟ لماذا ترك فينا هذا العام جرحا لا يندمل؟ لماذا يجب أن نراجع أنفسنا واقتصاداتنا، وتعليمنا، وصحّتنا وسياساتنا المستقبلية بأكثر دقّة وشفافيّة ومسؤوليّة؟
نعم، نحن البسطاء، غير المتخصصين في علوم الفيروسات، لا يقبل عقلنا البسيط جدّا أن يعجز الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي والطفرة العلمية غير المسبوقة، في عصر الانفجار المعرفي والسباق نحو ذروة العلم، في عصر اقتصاد المعرفة والتفوق العلمي كسبيل للمسك بزمام العالم… لا نقبل، نحن البسطاء، أن يُصاب بمرض كوفيد-19، لغاية الـ 17 من شهر ديسمبر/كانون الأول، أكثر من 74,5 مليون شخص، وأن يفتك المرض بأكثر من 1,6 مليون حول العالم حسب الأرقام التي أعدتها جامعة جونز هوبكينز، لا نقبل، نحن البسطاء جدّا، أن يعجز هذا العقل البشري اليوم في القرن الحادي والعشرين على توفير الدواء أو اللقاح المناسب في آجال معقولة تقينا حالات الإصابات والموتى التي فاقت الملايين.
نعم هو جرح عميق تركه فينا 2020، وحيرة لا مثيل لها نعيشها إلى حدّ هذه اللحظة؛ كيف لا ونحن ننظر إلى البشرية في شتى أرجاء المعمورة بين مصدّق ومكذّب لهذا الفيروس منذ أوّل ظهوره مع بداية العام وحتى ظهور بعض اللقاحات مع آخر العام 2020، نعم العالم بين مصدّق ومكذّب، بين قائل بأنّ هذه حقيقة واقعية وبين من يعتبرها مؤامرة من البشرية على البشرية.
وهكذا فقد بدأ هذا العام بالشك والريبة في توصيف الجائحة وتأويلها، وانتهى بالشك والريبة في توصيف اللقاح وتأويله… ولا يزال العديد من سكان العالم بين مصدق ومكذب لما يجري ويقع! فلماذا؟ لماذا لم يصدق الكثير من الناس حقيقة الجائحة وحقيقة اللقاحات؟ هل فقدنا الثقة في العلم؟ هل هو عدم الثقة في المسؤولين عن منظّمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات العلمية والجامعات المتخصصة في هكذا مجال، ولا سيما في الدول المتقدمة التي تتبجّح دائما بتفوقها العلمي؟ أسأل فقط ولا أملك الجواب.
نعم، ها هو يغادرنا 2020 أو يكاد، ولكنّه علّمنا درسا لن ننساه، علّمنا أنّ الإنسان لعبة أو سلعة في يد الإنسان… علّمنا أنّ العلم يعلو ولا يُعلى عليه، وأنّ الأخذ بأسبابه وتوفير البيئة الملائمة له والبنية التحتية الضرورية هو جزء من الأمن القومي في كل بلد… علّمنا 2020 مشكورا أنّ مراجعة خططنا وأولوياتنا وميزانياتنا وإستراتيجياتنا وسياساتنا وتحالفاتنا ضرورة الضرورات.
علّمنا2020، وهو يرحل غير مأسوف عليه، أنّنا، نحن الدول العربية، في حاجة إلى تطوير تعليمنا ولا سيما الجامعي من هو تخصيص ميزانيات مضاعفة للبحث العلمي وتطوير المختبرات وتشجيع الكفاءات العلمية العربية على البقاء في أوطانها من أجل توطين المعرفة في سباق الحروب العلمية التي يُقدِم عليها الكون مستقبلا.. فإن لم يكن، فسنحافظ على مواقعنا في ذيل الأمم المتقدمة.
صحيح أنّ 2020 دخل التاريخ من بابه العريض و سيخلد في ذاكرة البشرية،ليس فقط لتناسق أرقامه التي استبشر البعض بها خيرا، ولا لسرعة انتشار فيروس كورونا وما خلّفه من فزع وانهيار للأنظمة الصحية لدول متقدمة فى وقت قياسي، ولا لمـا بـدا وكأنه «مـوت أسـود»قـادم دفـع نحـو إغلاق العالـم، وإنّما أيضا لما حدث تباعـا من حرائــق، وســيول، واغتيالات، واضطرابــات، وانفجــارات، وتحوّلات في التحالفات ونتائج انتخابات، وصراعات وتطوّرات… نعم اجتمعت في العام 2020 جميع المشاكل مع أزمة كورونا لتكتمل بذلك صــورة تراجيديــة جعلت من هذا العام سنة نؤرخ بها لحياة البشرية ما قبل 2020 وما بعد 2020.؛ فما سيأتي بعد عام 2020 لن يشبه ما قبله.