ّّ”القدس- الزيتون والنار ” بقلم سفيرة السلام والنوايا الحسنة الدكتورة أنيسة فخرو

أنوار جامعية نيوز / الدكتورة أنيسة فخرو

الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للسلام والتنمية

“القدس- الزيتون والنار “

القدس مهد الديانات السماوية الثلاثة، وقد عرفت بأسماء عديدة على مر العصور كان أهمها، يبوس، أورشاليم، إيليا، كابتولينا، القدس الشريف، ويبوس هو الاسم الأقدم الذي عرفت به القدس، وذلك نسبة لليبوسيين الذين ينحدرون من بطون العرب الأوائل في الجزيرة العربية، ويعتبر اليبوسيون السكان الأصليون للقدس، فهم أول من سكنها من القبائل العربية الكنعانية قبل 2500 سنة ق.م، حيث سكنوا التلال المشرفة على المدينة القديمة وبنوا قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية عرفت بحصن يبوس الذي يعرف بأقدم بناء في القدس، وذلك دفاعا عنها وحمايتها من هجمات وغارات العبرانيين والفراعنة، وقد اهتم اليبوسيون بتأمين حصونهم ومدينتهم بالمياه، فحفروا قناة تحت الأرض لينقلوا بواسطتها مياه نبع جيحون (نبع العذراء) الواقع في وادي قدرون (المعروفة اليوم بعين سلوان)، كما عرفت القدس بأورشالم أور سالم نسبة إلى الإله (شالم، سالم) إله السلام لدى الكنعانيين، حيث ورد ذكرها في الكتابات المصرية المعروفة بألواح تل العمارنة والتي يعود تاريخها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ق م، وظلت يبوس بأيدي الكنعانيين حتى أخذها النبي داود عليه السلام (1409ق.م)، فأطلق عليها اسم (مدينة داود) واتخذها عاصمة له، ثم آلت من بعده لابنه الملك سليمان وازدهرت في عهده ازدهاراً معمارياً كبيراً، وفي تلك الحقبة ساد الدين اليهودي واعتنقه العرب.

وفي سنة 586 ق.م احتلها نبوخذ نصر، وقام بنقل اليهود العرب منها إلى بابل، حتى جاء الاسكندر المقدوني واحتلها في سنة 332 ق.م، وبعد وفاته ازدادت الأزمات والخلافات بين البطالمة (نسبة إلى القائد بطليموس الذي أخذ مصر وأسس فيها دولة البطالمة)، والسلوقيين (نسبة إلى القائد سلوقس الذي أخذ سورية وأسس فيها دولة السلوقيين)، وقد حاول كل منهما السيطرة على المدينة وحكمها.

وفي سنة 63ق.م استطاع الرومان أن يحتلوا القدس على يد قائدهم بومبي، وفي سنة 135م قام الإمبراطور الروماني هادريانوس بتدمير القدس تدميراً شاملاً، حيث أقام مكانها مستعمرة رومانية جديدة أسماها (إيليا كابتولينا)، وظلت تعرف القدس بإيليا حتى العصر البيزنطي (330-636م)، الذي أصبحت فيه المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية البيزنطية بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين لها، وفي عهده قامت أمه الملكة هيلانة ببناء كنيسة القيامة335م.

وفي سنة 614م استولى الفرس على القدس وقاموا بتدمير معظم كنائسها وأديرتها، وقبعت تحت الحكم الفارسي حتى استولى عليها هرقل سنة 627م، وظلت تحت الحكم البيزنطي حتى الفتح الإسلامي، ولما كان الإسلام ديناً عالمياً لا يقتصر على العرب، فقد وقع على كاهل العرب والمسلمين نشره في كافة الأقطار، فكانت الفتوحات الإسلامية على أرض فلسطين، وبعد هزيمة الروم في معركة اليرموك، أصبح الأمر سهلاً الوصول إلى القدس وفتحها، وفي سنة 15 هجرية / 636 ميلادية دخل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب القدس سلمياً وأعطى أهلها الأمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعُهدة العمرية، وبقدوم المسلمين إلى القدس بدأت حقبة جديدة في تاريخها، حيث توالت الخلافة الإسلامية على حكمها تباعاً، فجاء بعد الخلفاء الراشدين الأمويين ثم العباسيين فالطولونيين، فالإخشيديين، ثم الفاطميين والسلاجقة، هذا وظلت تُعرف القدس باسم (إيلياء) وبيت المقدس، منذ الفتح العُمري وحتى سنة 217 هجرية، عندما بدأت تعرف باسم (القدس) لأول مرة في التاريخ الإسلامي وذلك بعدما زارها الخليفة العباسي المأمون سنة 216 هجرية، وأمر بعمل الترميمات اللازمة في قبة الصخرة المشرفة، وفي سنة 217هجرية قام المأمون بسك نقود حملت اسم (القدس) وعليه تكون قد سميت بهذا الاسم منذ بداية القرن الثالث الهجري، وليس كما يعتقد البعض بأن ذلك يعود إلى نهاية الفترة المملوكية (القرن التاسع الهجري)، وفي عهد الإمبراطورية العثمانية عُرفت بالقدس الشريف.

وفي سنة 492هجري 1099م احتل الصليبيون القدس وعاثوا فيها فساداً وخراباً دونما اكتراث لقدسيتها ومكانتها الدينية، فارتكبوا المجازر في ساحات الحرم الشريف وقاموا بأعمال السلب والنهب، الأمر الذي تناقض شكلا ومضمونا مع تسامح الإسلام. حتى جاء فتح الله مجددا على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي بنصره على الصليبيين في معركة حطين سنة 583هجرية الموافق 1187م، وظلت بأيدي المسلمين حيث حكمها المماليك ثم العثمانيون حتى سقطت بأيدي الاحتلال البريطاني سنة 1917.

حاز سكان القدس الشرقية على المواطنة الأردنية عقب ضمها إلى المملكة الأردنية الهاشمية. وبعد حرب 1967 وهزيمة العرب، أعلن الصهاينة ضم القسم الشرقي من المدينة إلى دولتهم، واحتفظ السكان الفلسطينيين بالمواطنة الأردنية، وبعد فك الارتباط أصبح المواطنين يعرفون بالمقدسيين.

وهاهم الصهاينة يريدون القدس بكامل ترابها، وهاهم يصادرون كل يوم جزء من أراضيها ويهجرون سكانها الأصليين وأحدثها في أكتوبر 2007 لمصادرة 1200 دونم من القرى والمدن العربية المحيطة بالقدس. قادتهم يحملون ظاهريا أمام العالم غصن الزيتون، ويعملون واقعيا بسياسة الدم والنار، حاولوا بكل الوسائل أن يرضخ الرئيس ياسر عرفات ويتنازل عن القدس، وعندما أيقنوا بأنهم لن يستطيعوا إجباره على التنازل عن القدس قتلوه، وهاهم يحاولون الآن مع الرئيس ابومازن لعلهم لا يفلحون،

والأسئلة: كيف يمكن أن تقام دولة فلسطينية مستقلة في ظل وجود جدار الفصل العنصري؟ وهل حقا أمريكا جادة في تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ أمريكا تمد إسرائيل بصفقات الأسلحة التي لا أول لها ولا آخر وأحدثها صفقة الطائرات المقاتلة بقيمة 400 مليار، وفي الوقت نفسه تُقدّم للفلسطينيين الوعود والكلام لا غير.

ولمن يسأل: إلى من ستؤول القدس؟ نقول الجواب الأكيد: فلسطين وعاصمتها القدس الشريف أرض عربية خالصة.

  • تنويه: نشرت الكاتبة هذا المقال سنة 2007، وها هي تعيد نشره اليوم.. فما أشبه اليوم بالأمس!
 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket