أنوار جامعية نيوز / آمنة باشا أستاذة الأدب العربي
السعادة قرار
لأنّنا نعيش مرّة واحدة في هذه الدنيا، فلا بدّ أن نجعل هذه المرة سعيدة قدر المستطاع. ولتحقيق ذلك يجب أن ندرِك أنّ السعادة قرار ينبع من نفس قنوعة راضية بالقضاء والقدر، شاكرة لأنْعُمِ الله التي بين يديها، مبتعدة بذلك عن الحسد والهمّ والطمع والقلق وخاصة عن الانشغال بأمور الآخرين.
لذا، فإنّ أعظم أنواع السعادة هو نقاء القلب من كل هذه الشوائب والأمراض، ولنا في القرآن الكريم تأكيد علي هذا المفهوم في قوله تعالى “يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”[1].
والقلب السليم هو الذي يجعلنا نتلذذ ونستطعم كل لحظة نعيشها حلوة كانت أو حتى مرّة إيمانا منّا أنّ كلّ مُرٍّ لا بد أن يمرَّ ما دمنا نثق في حكمة الخالق من كل ما يجري لنا وعلينا، وتبعا لذلك يصبح تفكيرنا إيجابيّا نتخطّى به محن الحياة وقساوتها.
ومهما تعثّرنا ووقعنا زاد تمسّكنا بمفاتيح السعادة واستطعنا أن نقف من جديد أكثر قوة وإصرارا على الوصول إلى تحقيق أحلامنا ومطامحنا، تحدونا قناعة مفادها أنه لا يمكن لأية نفس متشائمة ومستسلمة ومُحبطة أن تحلم بلحظة هناء واحدة لأن مطلب السعادة إن لم تنشغل به انشغل عنك وإن لم ترغب فيه رغب عنك، وتركك تتخبط في سوداويتك وخنوعك…
إنّ الجدير بنا كبشر أن نحافظ على صحتنا النفسية وذلك بتحقيق سلامنا الداخلي الذي به فقط يمكن أن نعيش حياتنا بسعادة مهما كانت المنغّصات، ويبقي الأسمى من كل شيء أن نكون صادقين مع أنفسنا ولا نمارس النفاق مع ذواتنا… لكن إلى أيّ مدى نحن قادرون على حماية حياتنا من إيذاء ذوي النفوس المريضة الذين قال عنهم الله تعالى” في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا”[2] ؟
إنّ الإجابة على هذا التساؤل ليست بالهيّنة في واقع مريض يشقى فيه الخيّرون والطيّبون… ولكن قد أجد الإجابة في كلمة واحدة وهي الاكتفاء! نعم علينا أن نكتفي بأنفسنا فلا نجعل سعادتنا مرهونة بغيرنا أيّا كان؛ لأننا وحدنا من سيدفع الثمن لو ربطنا مصيرنا بهذا الآخر، وسمحنا له أن يعكّر صفو حياتنا، والحال أننا موقنون تمام اليقين أننا نعيش في زمن المزاجية والاستغناء بكل سهولة، وعلي هذا الأساس لم تعد الصعوبة في إيجاد السعادة، بل هي أولا وأساسا في تفادي التعاسة…
[1] – الآية 88 و89 من سورة الشعراء
[2] – من الآية 10 من سورة البقرة
