في حوار مع الخطاط العالمي المقيم بسويسرا عبد الرزاق حمودة ” الخط هو نقطة تتمدد و خط يقوس و كلمات تولد و أفكار تتحرر “

أنوار جامعية نيوز / حوار حافظ الشتيوي

يعرف العالم اللغوي إبراهيم بن محمد الشيباني الخط بــ :
 الخط لسان اليد، وبهجة الضمير، وسفير العقول ، وسلاح الفكر ، وأنس الإخوان عند الفرقة ، ومحادثاتهم على بعد المسافة ، ومستودع السر وديوان الأمور
وسأل الصولي بعض الكتاب عن الخط
 متى يستحق أن يوصف بالجودة  ؟ فقال :
إذا اعتدلت أقسامه ، وطالت ألفه ولامه ، واستقامت سطوره ، وضاهى صعود حدوده ، وتفتحت عيونه ، ولم تشتبه راؤه ونونه ، وأشرق قرطاسه ، وأظلمت أنفاسه ، ولم تختلف أجناسه ، وأسرع إلى العيون تصوره ، وإلى القلب تنمره ، ، وخيل أنه يتحرك وهو ساكن ”
 
هذه الشواهد جالت بمخليتي واسترجعتها ذاكرتي وأنا أحاور الرسام والخطاط العالمي عبد الرزاق حمودة أحد رموز الخط العربي في العالم المتميم بحب قابس راس مسقطه والمقيم بسويسرا بلد الجمال والحريات
واكتشفت أثناء محاورته ومحاولة مجارات نسق الحوار معه إضافة إلى شخصيته المرحة وقدرته على كسب القلوب والتأثير فيها  ، أني  أجالس رجلا معاصرا خرج من عمق التاريخ الفني العربي المشرقي  بمغامراته وصولاته وعلاقاته وصداقاته  وفلسفته في الحياة وعطاءه الإنساني اللامحدود وبرامجه ومهرجاناته الدولية التي نظمها وساهم في تنظيمها ومشاريعه التي يطمح في تحقيقها .

قراءة بصرية في لوحات  عبد الرزاق حمودة

يعتبر الخطاط التونسي العالمي التونسي عبد الرزاق حمودة المقيم بسويسرا أحد رموز
الخط والتشكيل الحرفي والرسم بالنقطة في العالم العربي وتعكس لوحاته توجه
فلسفي وفكرة تميز بها من خلال الكثير من الأعمال التي يقدمها، بالخط العربي
الحروفي .

حاد عبد الرزاق حمودة في تشكيل حروفه عن النمط الكلاسيكي الجامد وارتكز على
شعار «نقطة، وحرف، وكلمة».. لتكون منطلقا في أعماله ليمزج بخط متحرك غير جامد،
متجددا غير راكد، فكرة ذات بعد اجتماعي فلسفي وكلمة نابعة من الإحساس العفوي و
بيت من الشعر مستلهم من أشعار عدد  كبير من شعراء الوطن العربي منهم من تربي
على شعرهم ومن عاصرهم وعاشرهم ومن من تأثر بهم على سبيل الذكر لا الحصر عمر
الخيام و نزار قباني، وأبو القاسم الشابي، وأحمد فؤاد نجم، وجبران خليل جبران
وأدونيس والصغير اولاد احمد وكثيرا ما أكد في حديثه من أن النقطة رفيقة طريقه
الفني والناطقة بلسانه و الخط شاهد عليهّ فما إن  تقف أمام إحدى لوحاته تجد نفسك  لا حاجة لك لمحاولة فك رموز الخطوط  والجمل والابيات في أعماله، فالعين تنجذب مباشرة إلى روح الكلمات التي يخطّها بجمالية ساحرة وتعشق  المعاني وما كتب بروح عاشقة .
وفي لقاء خاطف قبل تحول إلى قابس كانت لي معه لقاء عفوي سافرنا عبر الكلمات إلى جميع أقطار العالم من خلال ذكرياته ومواقفه وآراءه ومشاريعه فكان هذا اللقاء حديث الفن والشعر والذكريات.

الخط هو نقطة تتمدد و خط يقوس
و كلمات تولد و أفكار تتحرر “

لننطلق من البدايات ونسأل  من هو عبد الرزاق حمودة  وماهي علاقته بالخط وكيف كانت البدايات الأولى ؟

عبد الرزاق حمودة أصيل ولاية قابس وفلتة من فلتات الدهر ، الخط بالنسبة لي هو نقطة تتمدد و خط يقوس و كلمات تولد و أفكار تتحرر و انا في هذا الخضم أنتشى و أنعم بأنانيتى و خلوتى التى ستولدان لوحة حتما ستجدون فيها متعة للعين و الروح. حینها فقط سأعتز بأنانيتى و سأسقيها كي تكبر و تسامر أرواحكم الجميلة
 وبالنسبة للبداية فزوجتي هي من جعلني اغرم بالخط فقبل زواجنا كنت طالبا اخط بالقلم العادي ودون قاعدة او دراية ورأت في داخلي بوادر فنية فسجلتني في ورشة للخط العربي للخطاط العراقي عبد الغني العاني وهو آخر الخطاطين من سلالة المدرسة البغدادية المتعلم على ياقوت البغدادي المستعصمي
وكان مبلغ التسجيل 50 فرنك فقمت بسحب التسجيل واسترجعت المبلغ لاني كنت في حاجة إليه أكثر من تعلم الخط ، وبعد مدة سألتني عن الورشة فضحكت وقلت لها الحقيقة
ثم اكتشفت الخطاط حسن المسعودي في باريس فتجاوبت معه وأعجبت بالنمط الذي يشتغل عليه وانطلقت في تقليده .

ماذا يريد عبد الرزاق حمودة أن يقول من خلال لوحاته ؟

أنا دائما أقول أن من يرد ان يعرف أفكاري عليه بقراءة النصوص التي قمت بتخطيطها فرسوماتي نابعة من فكر فلسفي وواقع اجتماعي معاش وعادة أي لوحة خطية اختار رسمها لا بد ان تحمل رسالة واضحة المعاني وهذه الرسائل التي أريد ان أوجهها هي رسائل فكرية تحمل مواقفي في اي موضوع سياسي ام فني ام فكري اجتماعي ، وقد تكون جملة يقولها اي شخص في الشارع تحمل عمق فلسفي وعمق في معاني الكلمات فمستحيل لا تجدها مخطوطة .

واسوق لك في هذا الصدد واقعة كنت شاهدا عليها  ، ففي قابس كان الاشقاء اللبيين كثيرا التوافد علينا لعديد الاسباب وطبعا عند قدومهم  يبحثون عن شقق فارغة  وكان في أغلب الأحيان الأطفال يستقبلوهم ويسهلون عليهم عملية التأجير بكلمة ” تبي شقة ” .

وذات مرة شاهدت امي احد الأطفال دون التسع سنوات سوغ شقة لأحد الليبيين فنادت عليه وسألته لماذا لست في المدرسة فقال لها أنا ادرس واعمل في نفس الوقت فسألته عن السبب فقال لها اخي الكبير متخرج صيدلي عاطل عن العمل واخي الاوسط متخرج مهندس عاطل وانا أعطيهم مصروفهم اليومي فقالت له جملة تحمل عمقا فلسفيا واجتماعيا ووجوديا مستحيل أنساها في حياتي قالت
 ” أنت عايش في الهم والهم يسالك ” جملة عظيمة بالفعل لا يمكن أن تمر دون ان تدون

الى جانب الكلمات ذات البعد الفلسفي والاجتماعي فللشعر مكانة في رسوماتك ؟

الشعر يا صديقي  هو من الأشياء الإنسانية في حياتنا وثقافتنا العربية مبنية على الشعر يعني تاريخيا  الشعر موجود في النصوص الشعرية وليس النثرية والملاحم والتاريخ مكتوبين بالشعر ، فالشعراء إذا هو أساس ثقافتنا والمهتم بالشعر العربي يجد مخزون ثقافي ومادة دسمة في اي موضوع

ماهي أهم الاسماء التي تعاملت معها ؟

احببت الشعر والشعراء وخاصة عمر الخيام وابو القاسم الشابي واولاد احمد ونزار قباني وادونيس وسعاد الصباح وتعاملت مع كلمات أشعارهم بمنطق الانصهار في معنى وروح الكلمة .

ايهما اكثر تأثيرا الكلمة أم العلاقة المباشرة مع صاحب الكلمة ؟

أتعامل في البداية مع الكلمة بشكل سطحي مع اللغة ومدى علاقتي باللغة ولكن عندما أعرف الشخصية تؤثر حتما علاقتي به بعلاقتي بالحرف  من خلال فكره وتصرفه وذبذبة صوته وعلى سبيل الذكر الشاعر الكبير الصديق العزيز الشاعر الكبير أدونيس من خلال أشرطة سمعية يبعثها لي متضمنة قصائد بصوته .
واشتغلت حول ديوانه “دفاتر مهيار الدمشقي” هذا الديوان الذي  فتح الباب على مصراعيه للشعر الحداثي  وأثر بشكل كبير على مسار الشعر العربي الحديث
وفي مرسمي كنت أحبذ الاشتغال وانأ استمع إلى أغاني أم كلثوم وقصائد في تسجيل بصوته فكنت روحي مع صوته بتلك الإلقاء الرهيبة والكلمة العميقة والشخصية الكاريزيماتية .
أيضا الشاعر الراحل نزار قباني كانت علاقتي به علاقة شخصية وعشقت نزار من خلال قصائده السياسية وليست قصائد الحب والمراة والعشق فافكاره تعبر على نفس افكاري ، فعندما اضع بين يدي نصوصه اجد قلمي يخطها بسلاسة وفي كل مرة كنت اتمنى أني لو كنت انا قائل هذه الكلمات ويكفي ان تعلم انني رسمت له أكثر من 150 لوحة

يطغى على لوحاتك “النقطة والحرف والكلمة “وكأنك شاعر يخط رسومات او رسام يكتب شعرا ؟

هذا حقيقة فأنا أكتب الشعر وأتذوقه وأذوب في معانيه وبالرغم أن لدي ثلاث دواوين شعر ولكنها غير منشورة فهناك  قطيعة في داخلي بين الرسام والشاعر ومستحيل ان اخط كلماتي وارسمها.
واحد الدواوين التي اعتز بها ديوان “ادونيس
Adonis 2010  ” وهي عبارة عن قصيد من 30 صفحة إهداء له ورد اعتبار لما لحقه من ظلم في الجزائر سنة 2010 عندما اتهموه بالكفر والإلحاد وأباحوا دمه وأقول في هذا الصدد

قل لهم ادونيس
انت الذي عرفوه
وحفظوه وكرموه
وصرت اليوم وجها يكفرون

ما هي أهم مشاريعك الفنية؟

المشاريع هامة جدا في حياة الفنان والفنان لا يساوي شيء دون مشاريع ودون تخطيط حتى وان لم تتحقق فبعد تجربة السنوات أصبحت الان اهتم بالتنظيم واقوم بملتقيات دولية واجمع الفنانين والخطاطين لتبادل التجارب بينهم فمن المهم جدا ان يلتقي الفنانين مع بعضهم البعض ومن المهم جدا ان يلتقي الفنان بغيره وان يطلع على تجارب الاخرين ليعيش تاريخ خارج تاريخه ويكتب تاريخا جديدا
واستعد الآن لعديد المشاريع التي انتظر انجازها منها على المستوى القريب ومنها على المستوى البعيد وسبق أن قدمت عديد التظاهرات الدولية من بينها تظاهرة منتدى السيابي للفنون بسلطنة عمان وملتقى دار تابت للفنون في لبنان ، اضافة الى كوني المدير الفني للصالون المعاصر بطنجة بالمغرب ومن المفروض في سبتمبر 2021 لدينا تظاهرة في انتظار قرارات الحكومة ،
ولدي ثلاثة مشاريع في مملكة البحرين وهي معرض شخصي في المتحف الوطني ونشر كتاب يتضمن مجموعة 50 لوحة من أشعار الشاعرة البحرينية /الفلسطيني دينا بسيسو. و كذلك فلم وثائقي عن زياتي لمملكة البحرين للمخرج يوسف زيرة
كذلك لدي مشروع بعنوان ” ضوء التاريخ ”  وموضوعه الاشتغال على أمهات الشعر العربي والشاعرات العربيات قبل الإسلام خاصة وهو من اقتراح الشاعر ادونيس ويعود السبب أن عديد السماء من الشاعرات العربيات ظلمهن التاريخ بالرغم من دورهن الكبير في الشعر العربي ونحن إذ نتباهى بالمتنبي وننفي من كانوا  قبل المتنبي وبعدهم ،  إذا فمهمتنا  إشعال ضوء التاريخ والدخول إلى عمق الشعر العربي القديم وكشف الأسماء وتقديمها وهذا المشروع اشتغل عليه منذ ثلاث سنوات ولم يتبلور بعد .
 كما سأقوم قريبا بتظاهرة عالمية  في سويسرا تحت عنوان  Les Rencontre de Calligraphie de Genève                  
وتظم هذه  التظاهرة  جميع انواع الخطوط في العالم وليس العربي فقط هندي كوري وهذا نادرا جدا وسيتم دعوة عديد الخطاطين من العالم .

وبالنسبة لمشاريعك في تونس ؟

كان من المفروض أن نقوم بتظاهرة ملتقى زمور فن و سياحة باستضافة 10 فنانين من تونس و خارجها ولكن الكورونا حالت دون تنفيذ المشروع مع أنه في تونس التنظيم من أصعب الأشياء وخاصة التعقيدات الادارية ، فالمسؤولين لا ينتبهون إلى أهمية الحدث  والمقترح المراد تنظيمه ولكنهم يسعون في الحضور عند نهايته  ولا احد في البداية مستعد لسماع أهمية وقيمة البرنامج
ممن الطرائف أني أسست جمعية في سوسيرا في 42 دقيقة وفي تونس أخذت مني هذه الإجراءات 22 شهرا، و بادرت في تونس بتأسيس جمعية نيابوليس للملتقى الدولي للخط العربي ودعوت 20 خطاطا من العالم حتى من اليابان من 10 الى 16 اكتوبر 2021 ..

كلمة اخيرة

لدي مشروع كبير في تونس في سنة 2024 ” رحلة القصب والمداد ”  اجوب من خلاله كافة مناطق الجمهورية حاملا معي ” قلم وحبر وورق ” لأكتب أسماء الناس مجانا والهدف منها تحسيس الناس بأهمية الخط  وجماليته .
وأتمنى أن يتم تنظيم مهرجان دولي قار للخط العربي فتونس هي البلد العربي والإسلامي الوحيد ليس لها مهرجان دولي للخط العربي بالرغم من مكانة الخطاطين التونسيين في تونس وفي العالم كافة فمن المؤسف جدا ان لا تكون تونس ضمن البلدان في العالم التي لا تملك مهرجان خاصا بها .

 L-univers

L-univers

Journal électronique traitant des affaires étudiantes, de la vie universitaire, des services universitaires et des activités communautaires

Shopping Basket